واجبات الحاكم المسلم الواجب الأكبر على الحاكم المسلم يتمثل في القيام بأعباء المنصب على أكمل وجه ، وولاية الأمر فى الدولة الإسلامية ما هي إلا وسيلة للقيام بحفظ الدين وسياسة الدنيا به ولا يمكن أن نغفل ما بين الأمرين من تداخل . الواجبات الدينية للحاكم المسلم : والدولة الإسلامية القائمة على دين الإسلام لا تتخلى عن هذا الدين ولا تتنصل منه ، ولهذا فهى تقوم على نشره ، والدعوة إليه ، وحث الناس على الالتزام بشرائعه وشعائره ، وتعتبر هذا من أوجب الواجبات ، وحراسة الدين وحفظه لا يتم إلا بأمور عديدة هامة : 1.تبليغ العلم وتعليمه : لقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين ، وجعل لهذا الحفظ وسائل عديدة ، يقوم بها عباده المؤمنون ، من حفظٍ فى الصدور ، وتدوين فى الكتب ، وتعليم للعلم ، لذلك كان من وسائل حفظ القرآن الكريم : جمعه فى مصحف واحد فى عهد أبى بكر ، وجمع الناس على المصحف الإمام فى خلافة عمان ، وكان من وسائل حفظ السنة : اجتهاد العلماء والمحدثين فى حفظ الأخبار ، وتدوينها فى المسانيد والجوامع والأجزاء . وينبغى على ولى الأمر أن يباشر عملية حفظ نصوص الدين وتبليغ العلم ، ليوحد الجهود المبذولة فى هذا الشأن ، حتى لا تتعرض للشتات ، ولك أن تتصور الحال لو لم يقم الصديق ومن بعده ذو النورين بجمع القرآن ، وما قام به من بعدهم من خدمة للقرآن الكريم بوضع النقاط والشكل على الحروف لتيسير تلاوته وحفظه ، ولقد كان عمر ابن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلم الناس السنن والفقه ، وهو الذى أمر بتدوين السنة وجمعها ، ولا يتوقف دور الحاكم عند هذا الحد ، بل يجب عليه إنشاء المدارس والمعاهد العلمية ، التى تقوم على نشر العلم ، وإعداد العلماء ، ويجب عليه أن يكفل أرزاقهم ، لضمان تفرغهم لهذا الشأن ، ويجب عليه أن يقيم للناس من يفتيهم فى أمور الدين من العلماء والفقهاء . ويجب عليه أن يتصدى برجاله من علماء الأمة لنبذ البدع وأهلها ، وإقامة السنن ، ورد شُبه المشككين ، وزيغ المعاندين ، حتى يحفظ الدين على أصوله المستقرة . ولا يقتصر دور الحاكم على نشر العلم وحفظ الدين داخل حدود الدولة ، بل ينبغى عليه أن يبعث البعوث ويرسل الإرساليات لعرض الدين على الناس وإقامة الحجة عليهم . 2.القيام على شعائر الدين : من أهم واجبات الحاكم المسلم : القيام على شعائر الدين ، وتعظيمها ، السهر على حمايتها ، فيدعو المسلمين لإقامة هذه الشعائر ، وييسر لهم سبيل أدائها على الوجه الأكمل ، ويعاقب من يهمل فى أداء شىء منها أو يجحدها وينكرها . وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحكام ما داموا مقيمين للصلاة التى هى من أهم هذه الشعائر، وإن كانوا مفرطين ومضيعين لبعض الحقوق ، فقد أخرج مسلم فى صحيحه : عن أم سلمة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برىء ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضى وتابع" . قالوا : يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ .قال : " لا ما صلوا " . وفى حديث عوف بن مالك الأشجعى : قالوا أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " . ولاشك أن إقامة الصلاة أشمل وأعم من مجرد تأديتها ، فإقامتها تفيد أداءها على الوجه الأكمل بأركانها وسننها ، وتفيد الأمر بتعليمها وتعاهدها ، ورعاية المساجد والأئمة ، وتعزيز تاركها على الوجه الذى بينه أهل العلم . ومثل هذا يقال عن الزكاة وعن الحج إلى بيت الله الحرام ، فيقوم ولى الأمر بتحصيل الزكاة من الأغنياء ، ودفعها إلى مستحقيها عن طريق معاونيه من المصدقين أو العاملين عليها ، ويأخذها قهراً ممن يمنعها ويعزره التعزيز المناسب ، بل ويقاتل الطائفة المجتمعة على منعها ، كما فعل الصديق رضى الله عنه . ويقوم الحاكم برعاية البلد الحرام وتهيئته لاستقبال الحجيج ، وتيسير سبل المواصلات والعناية بأمن الطريق . ويقوم – أيضاً – بتحرى رؤية هلال رمضان وشوال وذو الحجة ، ويُعين للناس من يقوم على أمر التعليم والفتوى وذلك لتيسير إقامة هذه الشعائر . 3.الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : وهو واجب على المسلمين بحسب قدرة كل واحد منهم ، ولاشك أن الحاكم أكثر قدرة على تغيير المنكرات من غيره بما يملك من سلطة ، وبما له من حق الطاعة ، ويعين الحاكم من يساعده فى أداء هذا الواجب من الولاة والعمال ، ولقد عرف المسلمون الأوائل وظيفة المتحسب ، وهو الذى يتولى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مستعملاً لسلطة الحكم فى ذلك . الواجبات السياسية للحاكم المسلم : وهذه الواجبات ليست منفكة عن الدين ، بل هى حفظ له ، وسياسة للأمة به ، ومن أظهر هذه الواجبات : 1.إقامة العدل وفق أحكام الشرع : تكلمنا من قبل عن العدل كأساس للحكم فى الدولة الإسلامية ، وقلنا : إن الحكم بما أنزل الله ، وبما شرع ، هو أساس العدل فى الإسلام . " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " (الحديد : 25 ) . والإمام العادل ، هو : الذى يتبع أمر الله تعالى ، فيضع كل شىء فى موضعه الذى أمر به الله من غير إفراط أو تفريط . ولإقامة العدل فى الدولة الإسلامية مظهران : الأول:تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين ، وقطع الخصام بين المتنازعين ، حتى تعم النصفة ، فلا يتعدى ظالم ، ولا يضعف مظلوم ، وهذا أحد المظاهر الهامة فقرار العدل ، حتى لا تعم الفوضى . وعلى الإمام تعيين القضاة الذين يتولون ذلك ، وإنشاء المحاكم ، وبيان الإجراءات التى تنظم عملية التقاضى . الثانى :إقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك . 2.الحفاظ على الأمن العام والسكينة والنظام : فيجب على الإمام أن يعد العدة لحماية المواطنين ، وضمان أمنهم وسلامتهم ، وتعيين القائمين على ذلك . 3.الدفاع عن الدولة والدين : يجب على الإمام أن يعد العدة للجهاد وتأمين دولة الإسلام من أى اعتداء ، وعليه أن يتخذ الوسائل اللازمة لذلك مثل تجهيز الجيوش وتطويرها ، وتحصين الثغور ، قال تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " ( الأنفال : 60 ) . 4.توجيه السياسة المالية للدولة وفق الضوابط الشرعية : فالسياسة المالية عبارة عن موارد الدولة ومصارفها ، والأمام مسئول عن توجيه هذه السياسة فى حدود ما شرعه الله تعالى . وهذا الواجب لا يقع على عاتق الإمام ومعاونيه فحسب ، بل يجب على عموم المسلمين أن يتعاونوا مع ولاة الأمور فى سبيل تحقيق ذلك " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " (النساء : 58 ) . "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان" ( المائدة : 2 ) . فعلى الإمام ونوابه : أن يعطوا كل ذى حق حقه ، وعلى الرعية أن يؤدوا ما عليهم من حقوق ، ولا يجوز لهم أن يمنعوا ما يجب عليهم دفعه إليه من الحقوق حتى وإن كان ظالماً ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : " أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم " ( مسلم ) . وقال : " إنكم سترون بعدى أثرة وأموراً تنكرونها " قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم " ( مسلم ) . وهذا من قبيل طاعتهم فى طاعة الله ، ومعصيتهم فى معصية الله ، مع استمرار النصح لهم ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . وليس للرعية أن يطلبوا من ولاة الأمور ما لا يستحقون ، فيكونون من جنس من قال الله فيهم " وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ " ( التوبة : 58 ) . وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم ، فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء ، وليسوا ملاكاً ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : " إنى والله لا أعطى أحداً ولا أمنع أحداً ، وإنما أنا قاسم أضع حيث أُمرتُ " ( البخارى ) . وواجب على ولى الأمر أن يحاسب ولاته وعماله حساباً دقيقاً ، حتى يقيم عوجهم ، ويصلح أخطاءهم ، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستوفى الحساب على العمال ويحاسبهم على المستخرج والمصروف . 5. تعيين الولاة والموظفين ورسم السياسة العامة للدولة : فالولاية أمانة ، وعلى الإمام يقع عبء هذه الأمانة ، فيجب عليه أن يولى على كل عمل من الأعمال أصلح من يجده لهذا العمل دون محاباة ، وإلا كان خائناً مضيعاً لأمانته . "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ( الأنفال : 27 ) . وقد دلت سنة النبى صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها فمن ذلك ما رواه البخارى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قيل : يا رسول الله : وما إضاعتها ؟ قال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " . وقال النبى صلى الله عليه وسلم لأصدق الناس لهجة : " يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها " . مسلم وعلى الإمام يقع عبء رسم السياسة العامة للدولة والعمل على تنفيذها ، وذلك فى إطار الشرعية الإسلامية ومع مراعاة المبادئ الإسلامية العامة ، كمبدأ الشورى والعدل ، وللإمام فى ذلك سلطة تقديرية واسعة حيث لم تأت الشريعة بتفصيلات ذلك وإنما جاءت بمبادئ عامة وقواعد كلية . والإمام مسئول أمام جماهير المسلمين بصفة عامة ، وأمام أهل الحل والعقد بصفة خاصة ، وللأمة أن تحاسبه عن أعماله ، ولنا فى ذلك مبحث آخر . |