حقوق الحاكم المسلم وواجباته

 
 
عرض المقال
 
حقوق الحاكم المسلم وواجباته
22495 زائر
17-09-2010
غير معروف
د: جمال المراكبي

حقوق الحاكم المسلم وواجباته

الحق والواجب وجهان لعملة واحدة ، فكل حق مشروع يقابله واجب يتعين أداؤه ، وأوامر الدين ونواهيه تتضمن فى الكثير منها واجبات على طرف من الأطراف فى طيها حقوق لطرف آخر . وهذا ما نراه واضحاً فى علاقة الحاكم المسلم بالأمة ، فللأمة حقوق على الحاكم تندرج جميعاً تحت حفظ الدين وسياسة الدنيا به ، وللحاكم حقوق على الأمة تتمثل فى وجوب طاعته ومناصحته ومناصرته وكفالته .

أولا : حقوق الحاكم المسلم :

1. الطاعة :بينا – من قبل – أن طاعة أولى الأمر مبدأ من مبادئ الحكم الإسلامى ، وأساس من أسسه : " يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " (النساء : 59 ) .

وطاعة الحاكم فرع من إمامته : " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وحق من حقوقه بنص القرآن وصحيح السنة ، فرضها ذلك الوضع القيادى الذى يشغله الحاكم ، فالأمة : لا بد لها من قائد يسوسها بشرع الله تعالى ، وإلا تعرضت للتخبط والضياع .

ولا يشترط فى الطاعة أن يكون الحاكم قد وصل إلى السلطة بالطريق المشروع ، ولا أن يستكمل الشروط المطلوبة، فطاعة المتغلب وغير مكتمل الشروط واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، وطاعة الإمام الجائر واجبة ، كما نص على ذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك الأئمة والفقهاء ، وذلك حتى تُحفظ للأمة وحدتها ، وللشريعة سيادتها ، والطاعة تكون فى المعروف ، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، والمعروف الذى تجب فيه الطاعة هو : ما وافق الشرع ولم يخالفه ، وهى دائرة واسعة لا تقتصر على مجرد تنفيذ الأوامر الشرعية ، بل تمتد لتشمل الأمور التى تنبنى على الاجتهاد ، وعلى هذا : فلو أمر الحاكم بأمر لا يدرى وجه المنفعة فيه ، فالواجب على الرعية : طاعته ، ما لم يعلموا كونه معصية ، لأن اتباعه فى محل الاجتهاد واجب كالقاضى .

والمعصية التى يمتنع فيها المسلم عن الطاعة هى : المعصية التى تدل نصوص الشرع على تحريمها ، أما ما يدخل فى نطاق الاجتهاد والتأويل ، فيجب على المسلم فيها طاعة الحاكم وإن كرهها : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه ، هذا وقد سبق أن فصلنا هذه المسائل فى موضع سابق فليراجع .

2. المعاونة والنصرة والتأييد: وهذا الحق بديهى ، بل هو لازم من لوازم الطاعة ، فطالما ارتضى المسلمون إماماً، فينبغى عليهم التعاون معه فى تحقيق مقاصد الإمامة وواجبات الشرع ، والطاعة صورة من صور المعاونة والتأييد ، كما أن المعاونة والنصرة والتأييد من لوزام الطاعة .

ومن مظاهر النصرة والتأييد : عدم الخروج على الإمام ، وعدم معاونة الخارجين عليه ، وعدم السكوت عليهم سواء كانوا من : البغاة أو المحاربين لقول الله تعالى : "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " (الحجرات : 9 ) .

والنبى صلى الله عليه وسلم يوجب القيام فى وجه الخارجين على الإمام فيقول : "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " .

"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه " رواهما مسلم .

وكذلك ينبغى على المسلمين بذل المحبة والتقدير لإمامهم وحاكمهم الذى يقودهم إلى ما فيه الخير والصلاح ، ويتحرجون من إهانته وسبه ، فهو يقوم فيهم مقام أحب الخلق إليهم – رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيجب أن يوفى حقه من المحبة والتقدير ، ومن لوازم ذلك : الدعاء له بالهداية والتوفيق والسداد ، عسى الله أن يستجيب لهم ، فيعم النفع جميع المسلمين ، وعلى هذا كان هدى السلف الصالح مع الأمراء .

قال الفضيل بن عياض : لو كانت لى دعوة مستجابة لجعلتها للإمام ، لأن به صلاح الرعية ، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد .

3. النصيحة :وهى واجب على الإمام تجاه الرعية ، وواجب على الرعية تجاه الإمام ، لذا يعبر عنها أحياناً بصيغة المفاعلة – المناصحة – وهى مما يحبه الله ويرضاه لجماعة المسلمين ، لذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرضى لكم ثلاثاً ، ويكره لكم ثلاثاً : يرضى لكم : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ، ويكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " رواه مسلم ، وقد سبق أن فصلنا هذه المسألة فى مقال مستقل فليراجع .

4. تحديد راتب مالى من خزينة الدولة :

للإمام الحق فى قبض ما يكفيه من بيت مال المسلمين ، وذلك لأنه يعمل ويحترف للمسلمين ، فهو أجير يتفرغ لخدمة المسلمين ، ولأداء الواجبات الملقاه على عاتقه ، فوجب على المسلمين أن يوفروا له ما يسد حاجته نظير تفرغه لهذا العمل .

وقد جعل الله تعالى للعاملين على الصدقات سهماً منها نظير عملهم : "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا " ( التوبة : 60 ) الآية ، والحاكم أحد هؤلاء العاملين ، ليس على الصدقات وحدها ، وإنما على سائر الولايات فى الدولة الإسلامية ، فصار من حقه على الدولة : أن يحدد له راتب يكفيه وأهله ، ليتفرغ للمهام الموكولة إليه .

وقد فطن المسلمون الأوائل إلى هذه الحقيقة فى وقت كان الحاكم فيه يملك البلاد والعباد فى شتى بقاع الأرض ، بينما تقنع الرعية بما يجود به عليهم .

عن عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها ، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له : أين تريد يا خليفة رسول الله ؟!

قال : السوق

قلا : تصنع ماذا ، وقد وليت أمر المسلمين ؟!

قال : فمن أين أطعم عيالى ؟

قالا : انطلق حتى نفرض لك شيئاً ، فانطلق معهم ، ففرضوا له .

وعن عائشة قالت : لما ولى أبو بكر قال : قد علم قومى أن حرفتى لم تكن لتعجز عن مئونة أهلى ، وقد شغلت بأمر المسلمين ، وسأحترف للمسلمين فى مالهم ، وسيأكل آل أبى بكر من هذا المال . رواه البخارى .

وهذا الراتب إما : أن يحدد سلفاً فينظمه قانون ، وهذا الذى استقر عليه الأمر فى الدول المعاصرة جمعياً ، وإما : أن يخضع للاجتهاد من أهل الحل والعقد لتحديد ما يستحقه الحاكم ، وهذا يكون قبل سن مثل هذا القانون .

ولا يجوز للحاكم أن يعمل ، أو أن يتربح من طريق آخر بأى حال من الأحوال ، وإن اكتسب شيئاً ولو بطريق الهدية ، فهو لبيت مال المسلمين .

عن حميد بن هلال قال : لما ولى أبو بكر قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه .

قالوا : نعم ، بُرداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما ، وظهره إذا سافر – يعنى وسيلة المواصلات – ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف ، قال أبو بكر : رضيت .

وعن المستورد بن شداد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة ، فإن لم يكن له خادماً فليكتسب خادماً ، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً ، فمن اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق " .

قال الخطابى : هذا يتأول على وجهين : أحدهما : إنما أباح له اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التى هى أجر مثله ، وليس له أن يرتفق بشىء سواها .

والوجه الآخر:أن للعامل السكنى والخدمة ، فإن لم يكن له مسكن وخادم ، استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكترى – يستأجر – له مسكن يسكنه مدة مقامه فى عمله .

وفى هذه الحالة يكون المسكن ملكاً للدولة تسترده فى حالة انتهاء مدة الولاية .

هذا عن حقوق الحاكم المسلم ، أما : عن واجباته ففى المبحث القادم إن شاء الله .

---------------------------

(1) رواه البخارى ( 7217 ) ، ومسلم ( 1823/11 ) من حديث ابن عمر .

(2) رواه البخارى ( 114 ) ومسلم ( 1637/22 ) عن ابن عباس .

(3) رواه البخارى ( 3668 ) .

(4) رواه البخارى( 7207 ) من حديث المِسوَر بن مخرمة .

(5) رواه الطبرى فى " تاريخه " ( 4/427 ) وذكرها ابن الأثير فى " الكامل " ( 3/98 ) .

(6) رواه البخارى ( 6830 ) من حديث ابن عباس .

(7) رواه أحمد فى " المسند " ( 1/114 ) بسند فيه جهالة .

(8) رواه البخارى ( 7219 ) من حديث أنس .

(9) المنتقى من مناهج الاعتدال ص 58 ، وهو اختصار الحافظ الذهبى لكتاب منهاج السنة لابن تيمية .

   طباعة 
 
     
 
 
 
 
 
روابط ذات صلة
 
روابط ذات صلة
المقال السابقة
المقالات المتشابهة المقال التالية
 
     
 
 
 
 
 
جديد المقالات
 
جديد المقالات
 
     
 
 
 
القائمة الرئيسية
 
 
 
القائمة البريدية
 

أدخل بريدك الالكتروني لتصلك آخر اخبارنا
 
 
البحث
 
البحث في
 
 
تسجيل الدخول
 
اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟
 
 
عدد الزوار
  انت الزائر :393382
[يتصفح الموقع حالياً [ 38
الاعضاء :0الزوار :38
تفاصيل المتواجدون
 
 
 
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ الدكتور جمال المراكبي حفظه الله © 1431 هـ
اتصل بنا :: اخبر صديقك :: سجل الزوار :: البحث المتقدم :: الصفحة الرئيسية