واجبات الحاكم المسلم

 
 
عرض المقال
 
واجبات الحاكم المسلم
33991 زائر
17-09-2010
غير معروف
د: جمال المراكبي

واجبات الحاكم المسلم

الواجب الأكبر على الحاكم المسلم يتمثل في القيام بأعباء المنصب على أكمل وجه ، وولاية الأمر فى الدولة الإسلامية ما هي إلا وسيلة للقيام بحفظ الدين وسياسة الدنيا به ولا يمكن أن نغفل ما بين الأمرين من تداخل .

الواجبات الدينية للحاكم المسلم :

والدولة الإسلامية القائمة على دين الإسلام لا تتخلى عن هذا الدين ولا تتنصل منه ، ولهذا فهى تقوم على نشره ، والدعوة إليه ، وحث الناس على الالتزام بشرائعه وشعائره ، وتعتبر هذا من أوجب الواجبات ، وحراسة الدين وحفظه لا يتم إلا بأمور عديدة هامة :

1.تبليغ العلم وتعليمه :

لقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الدين ، وجعل لهذا الحفظ وسائل عديدة ، يقوم بها عباده المؤمنون ، من حفظٍ فى الصدور ، وتدوين فى الكتب ، وتعليم للعلم ، لذلك كان من وسائل حفظ القرآن الكريم : جمعه فى مصحف واحد فى عهد أبى بكر ، وجمع الناس على المصحف الإمام فى خلافة عمان ، وكان من وسائل حفظ السنة : اجتهاد العلماء والمحدثين فى حفظ الأخبار ، وتدوينها فى المسانيد والجوامع والأجزاء .

وينبغى على ولى الأمر أن يباشر عملية حفظ نصوص الدين وتبليغ العلم ، ليوحد الجهود المبذولة فى هذا الشأن ، حتى لا تتعرض للشتات ، ولك أن تتصور الحال لو لم يقم الصديق ومن بعده ذو النورين بجمع القرآن ، وما قام به من بعدهم من خدمة للقرآن الكريم بوضع النقاط والشكل على الحروف لتيسير تلاوته وحفظه ، ولقد كان عمر ابن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلم الناس السنن والفقه ، وهو الذى أمر بتدوين السنة وجمعها ، ولا يتوقف دور الحاكم عند هذا الحد ، بل يجب عليه إنشاء المدارس والمعاهد العلمية ، التى تقوم على نشر العلم ، وإعداد العلماء ، ويجب عليه أن يكفل أرزاقهم ، لضمان تفرغهم لهذا الشأن ، ويجب عليه أن يقيم للناس من يفتيهم فى أمور الدين من العلماء والفقهاء .

ويجب عليه أن يتصدى برجاله من علماء الأمة لنبذ البدع وأهلها ، وإقامة السنن ، ورد شُبه المشككين ، وزيغ المعاندين ، حتى يحفظ الدين على أصوله المستقرة .

ولا يقتصر دور الحاكم على نشر العلم وحفظ الدين داخل حدود الدولة ، بل ينبغى عليه أن يبعث البعوث ويرسل الإرساليات لعرض الدين على الناس وإقامة الحجة عليهم .

2.القيام على شعائر الدين :

من أهم واجبات الحاكم المسلم : القيام على شعائر الدين ، وتعظيمها ، السهر على حمايتها ، فيدعو المسلمين لإقامة هذه الشعائر ، وييسر لهم سبيل أدائها على الوجه الأكمل ، ويعاقب من يهمل فى أداء شىء منها أو يجحدها وينكرها .

وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحكام ما داموا مقيمين للصلاة التى هى من أهم هذه الشعائر، وإن كانوا مفرطين ومضيعين لبعض الحقوق ، فقد أخرج مسلم فى صحيحه : عن أم سلمة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن كره فقد برىء ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضى وتابع" . قالوا : يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ .قال : " لا ما صلوا " . وفى حديث عوف بن مالك الأشجعى : قالوا أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال : " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " .

ولاشك أن إقامة الصلاة أشمل وأعم من مجرد تأديتها ، فإقامتها تفيد أداءها على الوجه الأكمل بأركانها وسننها ، وتفيد الأمر بتعليمها وتعاهدها ، ورعاية المساجد والأئمة ، وتعزيز تاركها على الوجه الذى بينه أهل العلم .

ومثل هذا يقال عن الزكاة وعن الحج إلى بيت الله الحرام ، فيقوم ولى الأمر بتحصيل الزكاة من الأغنياء ، ودفعها إلى مستحقيها عن طريق معاونيه من المصدقين أو العاملين عليها ، ويأخذها قهراً ممن يمنعها ويعزره التعزيز المناسب ، بل ويقاتل الطائفة المجتمعة على منعها ، كما فعل الصديق رضى الله عنه .

ويقوم الحاكم برعاية البلد الحرام وتهيئته لاستقبال الحجيج ، وتيسير سبل المواصلات والعناية بأمن الطريق .

ويقوم – أيضاً – بتحرى رؤية هلال رمضان وشوال وذو الحجة ، ويُعين للناس من يقوم على أمر التعليم والفتوى وذلك لتيسير إقامة هذه الشعائر .

3.الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر :

وهو واجب على المسلمين بحسب قدرة كل واحد منهم ، ولاشك أن الحاكم أكثر قدرة على تغيير المنكرات من غيره بما يملك من سلطة ، وبما له من حق الطاعة ، ويعين الحاكم من يساعده فى أداء هذا الواجب من الولاة والعمال ، ولقد عرف المسلمون الأوائل وظيفة المتحسب ، وهو الذى يتولى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مستعملاً لسلطة الحكم فى ذلك .

الواجبات السياسية للحاكم المسلم :

وهذه الواجبات ليست منفكة عن الدين ، بل هى حفظ له ، وسياسة للأمة به ، ومن أظهر هذه الواجبات :

1.إقامة العدل وفق أحكام الشرع :

تكلمنا من قبل عن العدل كأساس للحكم فى الدولة الإسلامية ، وقلنا : إن الحكم بما أنزل الله ، وبما شرع ، هو أساس العدل فى الإسلام . " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ " (الحديد : 25 ) .

والإمام العادل ، هو : الذى يتبع أمر الله تعالى ، فيضع كل شىء فى موضعه الذى أمر به الله من غير إفراط أو تفريط .

ولإقامة العدل فى الدولة الإسلامية مظهران :

الأول:تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين ، وقطع الخصام بين المتنازعين ، حتى تعم النصفة ، فلا يتعدى ظالم ، ولا يضعف مظلوم ، وهذا أحد المظاهر الهامة فقرار العدل ، حتى لا تعم الفوضى .

وعلى الإمام تعيين القضاة الذين يتولون ذلك ، وإنشاء المحاكم ، وبيان الإجراءات التى تنظم عملية التقاضى .

الثانى :إقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك .

2.الحفاظ على الأمن العام والسكينة والنظام :

فيجب على الإمام أن يعد العدة لحماية المواطنين ، وضمان أمنهم وسلامتهم ، وتعيين القائمين على ذلك .

3.الدفاع عن الدولة والدين :

يجب على الإمام أن يعد العدة للجهاد وتأمين دولة الإسلام من أى اعتداء ، وعليه أن يتخذ الوسائل اللازمة لذلك مثل تجهيز الجيوش وتطويرها ، وتحصين الثغور ، قال تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " ( الأنفال : 60 ) .

4.توجيه السياسة المالية للدولة وفق الضوابط الشرعية :

فالسياسة المالية عبارة عن موارد الدولة ومصارفها ، والأمام مسئول عن توجيه هذه السياسة فى حدود ما شرعه الله تعالى .

وهذا الواجب لا يقع على عاتق الإمام ومعاونيه فحسب ، بل يجب على عموم المسلمين أن يتعاونوا مع ولاة الأمور فى سبيل تحقيق ذلك " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ " (النساء : 58 ) .

"وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان" ( المائدة : 2 ) .

فعلى الإمام ونوابه : أن يعطوا كل ذى حق حقه ، وعلى الرعية أن يؤدوا ما عليهم من حقوق ، ولا يجوز لهم أن يمنعوا ما يجب عليهم دفعه إليه من الحقوق حتى وإن كان ظالماً ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : " أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم " ( مسلم ) .

وقال : " إنكم سترون بعدى أثرة وأموراً تنكرونها " قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم " ( مسلم ) .

وهذا من قبيل طاعتهم فى طاعة الله ، ومعصيتهم فى معصية الله ، مع استمرار النصح لهم ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

وليس للرعية أن يطلبوا من ولاة الأمور ما لا يستحقون ، فيكونون من جنس من قال الله فيهم " وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ " ( التوبة : 58 ) .

وليس لولاة الأموال أن يقسموها بحسب أهوائهم ، فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء ، وليسوا ملاكاً ، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : " إنى والله لا أعطى أحداً ولا أمنع أحداً ، وإنما أنا قاسم أضع حيث أُمرتُ " ( البخارى ) .

وواجب على ولى الأمر أن يحاسب ولاته وعماله حساباً دقيقاً ، حتى يقيم عوجهم ، ويصلح أخطاءهم ، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يستوفى الحساب على العمال ويحاسبهم على المستخرج والمصروف .

5. تعيين الولاة والموظفين ورسم السياسة العامة للدولة :

فالولاية أمانة ، وعلى الإمام يقع عبء هذه الأمانة ، فيجب عليه أن يولى على كل عمل من الأعمال أصلح من يجده لهذا العمل دون محاباة ، وإلا كان خائناً مضيعاً لأمانته .

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ( الأنفال : 27 ) .

وقد دلت سنة النبى صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها فمن ذلك ما رواه البخارى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " . قيل : يا رسول الله : وما إضاعتها ؟ قال : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " .

وقال النبى صلى الله عليه وسلم لأصدق الناس لهجة : " يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها " . مسلم

وعلى الإمام يقع عبء رسم السياسة العامة للدولة والعمل على تنفيذها ، وذلك فى إطار الشرعية الإسلامية ومع مراعاة المبادئ الإسلامية العامة ، كمبدأ الشورى والعدل ، وللإمام فى ذلك سلطة تقديرية واسعة حيث لم تأت الشريعة بتفصيلات ذلك وإنما جاءت بمبادئ عامة وقواعد كلية .

والإمام مسئول أمام جماهير المسلمين بصفة عامة ، وأمام أهل الحل والعقد بصفة خاصة ، وللأمة أن تحاسبه عن أعماله ، ولنا فى ذلك مبحث آخر .

   طباعة 
 
     
 
 
 
 
 
روابط ذات صلة
 
روابط ذات صلة
المقال السابقة
المقالات المتشابهة المقال التالية
 
     
 
 
 
 
 
جديد المقالات
 
جديد المقالات
 
     
 
 
 
القائمة الرئيسية
 
 
 
القائمة البريدية
 

أدخل بريدك الالكتروني لتصلك آخر اخبارنا
 
 
البحث
 
البحث في
 
 
تسجيل الدخول
 
اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟
 
 
عدد الزوار
  انت الزائر :390452
[يتصفح الموقع حالياً [ 59
الاعضاء :0الزوار :59
تفاصيل المتواجدون
 
 
 
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ الدكتور جمال المراكبي حفظه الله © 1431 هـ
اتصل بنا :: اخبر صديقك :: سجل الزوار :: البحث المتقدم :: الصفحة الرئيسية