ظهور الإسلام رغم كيد أولياء الشيطان

 
 
عرض المقال
 
ظهور الإسلام رغم كيد أولياء الشيطان
5294 زائر
27-09-2010
غير معروف
د: جمال المراكبي

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:

فقد خلق الله عباده حنفاء موحدين، خلق آدم بيده، علمه الأسماء كلها، أمر الملائكة بالسجود له تشريفًا وتعظيمًا، وأسكنه الجنة يأكل منها حيث شاء، ثم عاقبه بالخروج منها حين عصاه، ليتعلم درس الطاعة والانقياد لله عز وجل، ويعلم أن الشيطان عدوٌ له ولولده فيتخذونه عدوًا، ثم ألهمه التوبة فتاب عليه وهداه إلى صراط مستقيم، وأخذ الله العهد على بني آدم وهم في عالم الذر في صلب أبيهم أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأشهدهم على أنفسهم فشهدوا وأقروا.

قال تعالى: [وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون] [الأعراف: 172].

ولكن الشيطان لعنه الله توعد بني الإنسان بالإضلال، فقال: [لأقعدن لهم صراطك المستقيم، قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين] [ص82- 83]، [وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله] [النساء: 118، 119].

وقد نجح الشيطان في إغواء بني آدم وإضلالهم وحملهم على أن أشركوا بالله وعبدوا غيره، ولكن الله عز وجل أرسل المرسلين مبشرين ومنذرين وأيدهم بالمعجزات والبراهين، وأهلك الكافرين المعاندين.

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودٌ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تُعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عُبدت.[البخاري كتاب تفسير القرآن حديث رقم 4539]

فتذرع الشيطان لعنه الله إلى إغواء بني آدم وتسلل من باب حب الصالحين وتعظيم الصالحين، حتى عبد قوم نوح جماعة من الصالحين الموحدين، فلما دعاهم نوح إلى عبادة الله وحده لا شريك له رفضوا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا.

فأرسل الله عليهم الطوفان فأهلكهم ولم ينج إلا نوح والذين آمنوا معه، ومع كل هذا استطاع الشيطان أن يفتح عليهم أبواب الضلالة بعد الهدى، حتى صارت هذه الأصنام عند العرب قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم . فبعث الله محمدًا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وفي صحيح مسلم يقول النبي صلي الله عليه وسلم في إحدى خطبه: "إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه نائمًا ويقظان". [الحديث عند مسلم برقم 5109: الجنة وصفة نعيمها]

فنهى النبي محمد صلي الله عليه وسلم عن الشرك بالله، وسد كل سبيل يوصل إليه، وقاتل بمن أطاعه من المؤمنين من عصاه من الكافرين حتى أظهره ربه، وحطم الأصنام والأوثان في جزيرة العرب وهو يتلو قول ربه: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، ودخل الإسلام كل بيت بعز عزيز أو بذل ذليل، ودانت البشرية بظهور الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وسقطت بلاد كسرى وقيصر، ولكن الشيطان تسلل إلى أبناء خير القرون من أمة محمد صلي الله عليه وسلم ففرقهم شيعًا وزين لهم البدعة والضلالة حتى وقع بعضهم في الشرك كبيره وصغيره.

ذكر لي الشيخ عبد القادر شيبة الحمد- حفظه الله ونفع به- وهو من أعلام علماء السنة ومن مشايخ أنصار السنة المحمدية الذين صحبوا الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله أنه ذهب إلى بلاد النوبة في مصر داعيًا إلى الله، فوجد الناس يرددون بعد كل صلاة بصوت مسموع، وبخشوع وخضوع:

إذا كنت في هم وغم فنادني

أيا مرغني أنجيك من كل ضيقة

فاسمي مكتوبٌ على ساق عرشه

وفي اللوح محفوظ فأتقن عبادتي

فرد الشيخ هذه الفرية وسجل ذلك في قصيدة عصماء، فانظر أخي القارئ إلى هذا الشرك الجلي يردده بعض المسلمين في مساجدهم وفي صلواتهم بدعوى تعظيم الصالحين ومحبتهم، فكم جرَّتْ هذه الدعوى عل المسلمين من بلاء وصرفتهم عن صحيح دينهم إلى بدع ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد استغل الكثيرون من دعاة الضلالة مناخ الجهل الذي ساد في كثير من بلاد المسلمين فزينوا للناس بدعًا ما أنزل الله بها من سلطان، وزعموا لأنفسهم مقامات ما وصل إليها أحد من العالمين، وزعموا أنهم يتصرفون في الكون ونسوا أن سيد ولد آدم أجمعينصلي الله عليه وسلم يقول بوحي من الله: [إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد. قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (50) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ] [الأنعام: 50- 51].

ولكن هؤلاء الدجاجلة يزعمون لأنفسهم ولأوليائهم ما هو أعظم.

ذكر الشعراني في الطبقات (ص157 ج1) عن الدسوقي صاحب القبر المشهور بمدينة دسوق والمسجد والمولد الذي يرتاده الملايين: وكان رضي الله عنه يقول: أنا موسى عليه السلام في مناجاته.

أنا علي رضي الله في حملاته.أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي، أُلبس منهم من شئت أنا في السماء شاهدتُ ربي، وعلى الكرسي خاطبته.أنا بيدي أبواب النار غلقتها وبيدي جنة الفردوس فتحتُها من زارني أسكنته جنة الفردوس.

واعلم يا ولدي أن أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون متصلون بالله، وما كان ولي متصل بالله تعالى إلا وهو يناجي ربه كما كان موسى يناجي ربه، وما من ولي إلا ويحمل على الكفار كما كان عليٌّ رضي الله عنه يحمل.

وقد كنتُ أنا وأولياء الله تعالى أشياخًا في الأزل، بين يدي قديم الأزل، وبين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأن الله عز وجل خلقني من نور رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء بيدي فخلعتُ عليهم بيدي.وقال لي رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم : يا إبراهيم، أنت نقيبٌ عليهم فكنت أنا ورسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأخي عبد القادر خلفي وابن الرفاعي خلف عبد القادر.

ثم التفت إليَّ رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم وقال لي: يا إبراهيم سر إلى مالِكْ وقل له يغلق النيران، وسر إلى رضوان وقل له يفتح الجنان، ففعل مالك ما أُمر به، وفعل رضوان ما أمر به.

وأطال في معاني هذا الكلام، ولم يكمل الشعراني الكلام بل اعتذر بقوله وهذا الكلام من مقام الاستطالة، تُعطي الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق، وقد سبقه إلى نحو ذلك الشيخ عبد القادر وغيره، فلا ينبغي مخالفته إلا بنص صريح والسلام. اهـ.

فانظر إلى هذا الكلام، وسل نفسك هل ادعى رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم مثل هذا، وماذا بقي لله من الملك وهو مالك كل شيء ورب كل شيء، سبحانه وتعالى عما يشركون.

قال الشعراني: وقد كان سهل بن عبد الله التستري يقول: أعرف تلامذتي من يوم ألستُ بربكم، وأعرف من كان في هذا الموقف عن يميني، ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي وهم في الأصلاب لم يحجبوا عني إلى وقتي هذا. وكان يقول: أشهدني ربي ما في العلا وأنا ابن ست سنين ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفًا معجمًا حار فيه الجن والإنس ففهمته وحمدت الله على معرفته، وحركتُ ما سكن، وسكنت ما تحرك وأنا ابن أربع عشرة سنة.

وطبعًا مثل هذا لا يعجب أتباع البدوي فينتحلون لسيدهم ما هو أعظم من ذلك فكل الأولياء يحضرون مولده ويدينون له، وذكر الشعراني أنه اجتمع بولي من أولياء الهند بمصر المحروسة فقال: ضيفوني فإني غريب- وكان معه عشرة أنفس- فصُنِعَ له فطير وعسل فأكل، فقلت له: من أي البلاد؟ فقال: من الهند. فقلت: ما حاجتك في مصر؟ فقال: حضرنا مولد سيدي أحمد. فقلت له: متى خرجت من الهند؟ فقال: خرجنا يوم الثلاثاء فنمنا ليلة الأربعاء عند سيد المرسلين صلي الله عليه وسلم وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر ببغداد وليلة الجمعة عند سيدي أحمد بطندتا (طنطا)، قال: فتعجبنا من ذلك، فقال: الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل.

قال: واجتمعنا يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس فقلنا لهم: من عرفكم بسيدي أحمد في بلاد الهند؟ فقالوا: يا لله العجب، أطفالنا الصغار لا يحلفون إلا ببركة سيدي أحمد وهو من أعظم أيمانهم، وهل أحد يجهل سيدي أحمد؟ إن أولياء الله ما وراء البحر المحيط وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده، وذكر أن شخصًا أنكر حضور مولد البدوي، فسًلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام، فاستغاث بسيدي أحمد، فقال: بشرط ألا تعود. فقال: نعم. فَرَدَّ عليه ثوب إيمانه، ثم قال له: وماذا تنكر علينا؟ قال: اختلاط الرجال والنساء. قال: ذلك واقع في الطواف ولم يُمنع أحد منه، ثم قال: وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار وأحميهم من بعضهم بعضًا أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي.

فانظر أخي المسلم إلى ما يزعم هؤلاء، وما نقلنا إلا من أقدس كتبهم، إنها الدعوة إلى هدم التوحيد، ودعاء غير الله عز وجل، بينما رسول اللَّه صلي الله عليه وسلم يعلمنا: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". والحمد لله رب العالمين.

   طباعة 
 
     
 
 
 
 
 
روابط ذات صلة
 
روابط ذات صلة
المقال السابقة
المقالات المتشابهة المقال التالية
 
     
 
 
 
 
 
جديد المقالات
 
جديد المقالات
 
     
 
 
 
القائمة الرئيسية
 
 
 
القائمة البريدية
 

أدخل بريدك الالكتروني لتصلك آخر اخبارنا
 
 
البحث
 
البحث في
 
 
تسجيل الدخول
 
اسم المستخدم
كـــلمــة الــمــرور
تذكرني
تسجيل
نسيت كلمة المرور ؟
 
 
عدد الزوار
  انت الزائر :393390
[يتصفح الموقع حالياً [ 28
الاعضاء :0الزوار :28
تفاصيل المتواجدون
 
 
 
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ الدكتور جمال المراكبي حفظه الله © 1431 هـ
اتصل بنا :: اخبر صديقك :: سجل الزوار :: البحث المتقدم :: الصفحة الرئيسية