أولاً : الشرعية نظام الحكم في الدولة الإسلامية تحكمه ضوابط وقيود شرعية ، ولا يمكن بحال أن نتصور أنه متروك لأهواء الحاكم وبطانته ، يحكمون بما تمليه عليهم أهواؤهم ومصالحهم ، ثم يضفون على هذه الأهواء الصبغة الدينية ويتحكمون في رقاب الناس باسم الدين ، كما يظنه بعض من يجهلون حقيقة هذا النظام . إنه نظام شرعي ، محكوم بشرع الله تعالى وحاكم به ، قال تعالى : "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( البقرة : 256 ) . والطاغوت هو كل معبود متبوع مطاوع من دون الله تعالى . وقد نهى القرآن الكريم عن عبادة الأشخاص وإن كانوا علماء الدين، وعن متابعة الأهواء والأغراض مع الإعراض عن شرع الله تعالى، فنعى على أقوام "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ " ( التوبة: 31 ) يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال فيطيعونهم. ونعى على آخرين اتباع الأهواء "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ " . ( الجاثية: 23 ). ولهذا قال الله تعالى لنبيه : " وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ" (المائدة : 49 ) . فالحكم بشريعة الله هو الأساس المتين والقاعدة الراسخة التي يقوم عليها نظام الحكم في الإسلام . وقد حث النبى صلى الله عليه وسلم على التمسك بأهداب الشرع من بعده "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى كتاب الله وسنتي " (1) . ونحن نعلم يقيناً أن محمداً هو خاتم الأنبياء المبعوث للناس كافة ، وأن شريعته خاتمة الشرائع يصلح الله بها فساد كل زمان ومكان ، ونعلم بالضرورة أن نصوص الشرع محدودة متناهية ، وحوادث الزمان المتجددة غير متناهية ولهذا قررت الشريعة مبدأ الاجتهاد ، والاجتهاد فى فهم نصوص الشرع وتطبيعها ، لا الاجتهاد في نبذها والإعراض عنها ، فليس هناك اجتهاد مع النص . ويؤدى الاجتهاد بضوابطه إلى تطور الفقه الإسلامي وخصوبته ومرونته . ومن هنا فإن الشريعة تعطى الحق للمجتهدين وأولى الأمر ف التشريع، ويكون التشريع محكوماً بضوابط. أولها : ألا يخالف شرع الله الثابت نصاً أو روحاً وإلا وقع التشريع باطلاً . الثانى : أن يكون مبنياً على تحقيق مصالح الناس ودفع الضرر عنهم . وتمتد هذه التشريعات لتشمل التشريعات واللوائح التنظيمية والتنفيذية ، بل والتشريعات المستقلة فيما لا نص فيه ، وهو ما يعرفه الأصوليون بـ " حق أولى الأمر في تقييد المباح " وعليه أمثلة كثيرة في السوابق التاريخية في عهد الراشدين منها : جمع الناس على مصحف واحد لنبذ الفرقة والاختلاف فى عهد عثمان . منع عمر الصحابة من الزواج بنساء أهل الكتاب بعد انتشار الفتوح لمنع الضرر بالمسلمات . إن الشرعية الإسلامية تحتكم إلى شريعة ربانية من حيث مصدرها وغايتها ووجهتها ، ومن ثم فهى معصومة من التناقض والتطرف والاختلاف الذي يصيب تشريعات البشر . وتمتاز هذه الشريعة بالوسطية، لذا كانت الأمة الوسط هي التي تقيم الشريعة الوسط، فتتأهل بها إلى منزلة الشهادة على الأمم يوم القيامة "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ". --------------------------- (1) صحيح . رواه مالك فى الموطأ معضلاً ، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم ، ومن حديث أبى هريرة ، وانظر المشكاة ( رقم 186 ) ، والصحيحة . |