حوار جريدة الأهرام مع فضيلة الشيخ الدكتور جمال المراكبي




الدكتور جمال المراكبي

حوار جريدة الأهرام مع فضيلة الشيخ الدكتور جمال المراكبي

 أجرى الحوار: جمال عبد الناصر

جريدة الأهرام - الأربعاء 7 من محرم 1434هــ - 21 نوفمبر 2012 السنة 137 العدد 46006

أهم محاور الحوار

نقبل مسودة الدستور من أجل التوافق والظرف الراهن ومصلحة البلد.. 

نؤكد مطلب تطبيق الشريعة.. 

لا بد من تفعيل الحوار والدعوة بالتي هي أحسن..

لا بد من التقارب وسعة الصدر وقبول المخالف.. 

لا بد أن يسمع بعضنا بعضا.. 

بر النصارى أمرنا القرآن به.. 

أنا دائما أدعو للرئيس.. 

مؤسسة الرئاسة هي أفضل مؤسسة منبثقة عن الإخوان.. 

منهجنا ألا نكفر أحدا.. 

المسلم لا يُكفر بل يسمى مرتدا لو ترك دينه.. 

الفكر المتطرف يمكن أن يعود ثانية إذا لم نفعّل أساليب الدعوة إلى الله.. 

الانفلات الأخلاقي موجود من قديم.. 

موجة الإلحاد قديمة.. 


أكد الداعية الإسلامي الدكتور جمال المراكبي الرئيس السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية وعضو مجلس شوري العلماء‏,‏ وأحد رموز الدعوة السلفية في مصر, ضرورة التوافق والحوار بين كافة القوي لإزالة اللبس الموجود ببعض مواد الدستور. وقال المراكبي في حواره مع الأهرام: إن مصلحة البلاد لا تحتمل ولا تسمح بتعطيل الدستور, مؤكدا قبول المسودة الحالية للدستور من أجل الظروف الراهنة وتحقيقا لمصلحة البلاد. 
وطالب المراكبي بتطبيق الشريعة الإسلامية وإزالة كل القوانين التي فرضت علي البلاد خلال المائة سنة الأخيرة من خلال المستعمر, مشيرا إلي أن كل ما يفعله البشر في مصر وفي كل بلد مسلم من دساتير لابد أن يكون تحت سقف الشريعة لأنها قانون الله.. 
وإلي نص الحوار:

 

** ما هي رؤيتكم للخلافات الدائرة حول المادة الثانية من الدستور؟ وبماذا تنصحون جميع التيارات الإسلامية والفكرية؟

* الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد..

الحقيقة أن الأصل في الدساتير لا بد أن يكون المقصد من واضعي الدستور واضحًا، والمادة الثانية كلمة مبادئ كلمة مادة قديمة، ولعل واضعيها كانت لهم مقاصد، وقد يتهم البعض في مقاصدهم، وما كان عندهم الرغبة القوية في الوصول لتنقية القوانين، ولهذا المادة وجدت من دستور 23 وتطورت لأن وصلت لدستور 71، فمعلوم أن دين الدولة هو الإسلام، وأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع، وجاء دستور 71 جعلها مصدرا رئيسيا، وجاء تعديل 86 جعلها المصدر الرئيسي للتشريع بما يفيد أنه الأول والحاكم، وهذا كان تعديلا وافق قبولا عند المصريين، باعتبار أن الناس عندهم رغبة في تطبيق الشريعة، لا أقول تتوافق مع الشرع، لكنها لا تخالف الشرع، جاءت بعد ذلك القوانين وضعت في الأدراج ولما حاول بعض التماس سلوك السبل القانونية لتفعيل المادة قالت المحكمة الدستورية في تفسيرها إن المراد بالمبادئ ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، الحقيقة أن مبادئ كلمة غريبة وفضفاضة، مبادئ تطلق ويراد بها أحد معنيين: المعنى الأول البدايات مثل مبادئ الفقه ومبادئ التشريع، ومن يدخلون الكليات العملية أو العلمية تدرس لهم مادة تسمى مبادئ، المعنى الثاني: أن مبادئ جمع مبدأ والمبدأ هو الأمر القطعي العام، وهذه الكلمة صحيحة لكنها لم تستخدم في تراثنا الفقهي ولا الشرعي على الإطلاق على مدى 14 قرنا، ومن هنا أنا مع الذين طالبوا بإزالة اللبس عن كلمة مبادئ، المطلب مشروع المادة أثارت لَبْسًا فلماذا لا نزيل هذا اللبس، طالما أننا جميعا مع التطبيق وتغيير ما يخالف الشريعة، فكان هذا هو الهدف، ففوجئنا بمعارضة علمانية شديدة، ومحاولة الإبقاء على كلمة مبادئ كما هي، تحت مزاعم الخوف من فرض رؤية معينة بزعم أنها الشريعة، أنا معهم في هذا التخوف، ولست معه إلى النهاية؛ لأن التخوف قد يكون مشروعًا وإزالته سهلة، لابد أن نتوافق على أن نطرح الأفكار ونزيل اللبس عن أي شيء يحتمل اللبس، وهذا موجود في المادة 219، وهذه سابقة خطيرة في هذا الدستور أن أضع كلمة في المادة 2 وأفسرها في المادة 19، وهذه سابقة في الدستور فلماذا لا ينصون على ذلك في نفس المادة، أو بمادة قريبة منها، وكان الأولى أن نضع تفسيرها معها أو أزيل اللبس الذي ينجم عن فهم كلمة مبادئ، لكن عمومًا إذا عرضت علينا في المسودة النهائية فيها هذا التفسير سيقبل ما دام قد جاء بتوافق، وسنرضى بهذا التعديل إذا تم التوافق على هذه المسودة؛ لأن مصلحة البلد لا تحتمل ولا تسمح بتعطيل هذا الدستور، وهذه جمعية منتخبة من البرلمان الذي انتخبه الشعب فهي لجنة في محل رضًى، فإذا قلنا إن البدائل أن الرئيس يشكل جمعية تأسيسية مرة ثانية -والرئيس محسوب على تيار معين وحزب معين- فسوف يعترضون عليها أيضًا، وحتى لو جاء بلجنة أخرى فلن تغفل هذا العمل؛ لأنه بُذل فيه مجهود كبير.

 ** لماذا يعترض السلفيون وجماعة أنصار السنة ومجلس شورى العلماء على إبقاء كلمة مبادئ الشريعة في الدستور؟

* طبعا نعترض؛ لأنها كملة موهمة ونريد إزالة اللبس، لأن المادة أثارت لَبْسًا، فلماذا لا نزيل هذا اللبس؟! طالما أننا جميعا مع التطبيق وتغيير ما يخالف الشريعة، لابد من إزالة اللبس عن أي شيء يحتمل اللبس، وهذا موجود في المادة 219، وهو ما يزيل اللبس الذي ينجم عن فهم كلمة مبادئ، لكن عمومًا إذا عرضت علينا فلن نعترض من أجل مصلحة البلد وأن تسير الأمور.

** هل ترى أن المجتمع مهيأ الآن لتطبيق الحدود وأحكام الشريعة؟ أم نحتاج للتدرج في هذا الأمر؟

*هناك أمران في السؤال: أمر الاعتراف بالحكم الشرعي وإقراره، وأمر تطبيقه على الأفراد، نحن طوال عمرنا للأسف نعترف بالحكم الشرعي ولا نطبقه، ولكن قد يشوب هذا الاعتراف خلل حسب الزمان لو فيه استبداد أو جهالة، لازم نعرف أن التطبيقات هذه عملية قضائية، وأن الذي يضع هذه القوانين هي السلطة التشريعية والذي ينفذها هي السلطة التنفيذية، فمن يحكم بالقانون هو القاضي ومن ينفذ هي السلطة التشريعية، ما يفعله البشر في مصر وفي كل بلد مسلم من دساتير لا بد أن يكون تحت سقف الشريعة؛ لأن الشريعة هي قانون الله، قوانين الله التي فرضها الله تعالى علينا كأمةٍ ليست قابلة لا للمناقشة ولا للاستفتاء، هي منوطة بكل مؤمن أن يقبلها، وخطبتي اليوم كانت عن الرضى بالله، لكنا تعرضنا لأزمة لما حاولنا في فترة من الزمن أن ننشئ مصر الحديثة، فمن أنشأ مصر الحديثة ليسوا بعرب، ولم يكن عندهم من الوعي الديني ما يؤهلهم، أسرة محمد علي كانت أسرة ألبانية عسكرية، فالفكر فكر عسكري وكان يعيش بعيدا عن واقع الأمة المسلمة، واضطرت الأسرة الحاكمة لمصر لاستبدال بعض الأحكام الشرعية بأحكام مستوردة عسكرية، وهناك من يضحك عليك ويقول إن الشريعة مطبقة!!، الشريعة في مجملها موجودة، ولكنها ليست مطبقة، لكنها أبعدت ونُحّيت، مثلا هناك قانون في الدستور المصري مستورد من القانون الفرنسي، إلى الآن الشعب المصري بمسلميه ونصاراه يرفضونه، تصور لما القانون يتحدث عن جريمة (الزنا في القانون المصري) ويقول: "إن الزنا لا يقع إلا من زوجة"؛ إذن كل امرأة رشيدة غير متزوجة هي حرة تفعل علاقات جنسية كما تشاء تحت مظلة القانون ولا يعد زنا!! والقانون لم يقل تفعل لكنه لم يجرم ولم يمنع، وهذه مسألة خطيرة، وهذا لا يتناسب معنا في مصر، بل يتناسب مع المجتمع الفرنسي، حيث وجود "البوي فرند" و"الجيرل فرند" وعلاقات ما قبل الزواج مشروعة عندهم تعارفوا على مشروعيتها، هل نحن في مصر وصلنا لهذا الحد، نحن رفضنا هذا رفضًا تامًّا، وهذا عندنا مجرَّم، في المجتمع المصري المسيحيون يرفضون الزنا ويحرّمونه قبل المسلمين بل ويجرّمونه، الزنا عندنا مجرم وإن كان قانوننا المصري لم يجرِّم كل صوره، وإنما جرم صورة واحدة وهي للزوجة، وجعل للزوج الحق في رفع الدعوة وإيقافها ومنع تطبيق الحكم، كيف نرضى أن يبقى مثل هذا القانون عندنا في مصر قرابة مائة سنة في التقنين الجنائي المصري، أليس هذا مصادمًا صراحةً وقطعًا لقول ربنا تبارك وتعالى في تحريم الزنا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]، وأنا لم أتكلم في كيفية التطبيق، ولا أدلة الإثبات، أنا أتكلم عن الإقرار بمشروعية الحكم، من يُقرّ بمشروعية هذا الحكم بناء على قانون نابليون ويرفض هذا الحكم بناء على القانون الرباني الإلهي ماذا يقال عنه في إيمانه؟! ويصرُّ على أن هذا هو المطلوب وهذا غير مطلوب، أنا لا أكفّر الناس، ولا ألمزهم بلساني، ولكن أقول هذا ليس من الإيمان، أقول في قضية تطبيق الشريعة: لا بد أولا أن نزيل كل القوانين التي فُرِضت علينا في المائة سنة الأخيرة من المستعمر، ونأتي بالقوانين المستنبطة من شرعنا، ومن تراثنا الفقهي والحضاري، هذه القوانين سترضي الكافة، النصارى في مصر لا يرضون بهذه القوانين الوضعية ولا يطبقونها، ولكن للأسف المحاكم تضطر، وموقف البابا شنودة من موضوع الزواج الثاني واضح، حيث رفض حكم المحكمة الدستورية وعطل الحكم الذي كان واجب النفاذ، وطعنوا عليه بعدم الدستورية، وهناك المادة الثالثة في الدستور "لليهود والنصارى الاحتكام لشرائعهم في الأحوال الشخصية"، فكم يهوديًّا عندنا في مصر يا أستاذي؟ هل عندنا ألف يهودي بمصر، ولن نتحدث عن عدد النصارى ولن ندخل في هذا الجدل، و 90% من الشعب المصري نضع لهم مادة موهمة بها لبس!!

إذن التطبيق أمره سهل، أول شيء في التطبيق لا بد أن نقرَّ بحاكمية الشريعة، ونأتي لتطبيق الحكم الشرعي على الآحاد والأفراد نضع له كل الضوابط ونتلافى كل المحاذير التي نخشاها، والبعض يقول إن هناك ضوابط ومحاذير تجعل الحدود في كثير من الأحيان لا تُطبَّق، نقول: لأن ينجو مسلم من العقوبة خير من أن يعاقب بريء، فكم مرة طبق النبي صلى الله عليه وسلم الحدود، الحدود ليست هي همنا الأسمى، بل همنا الأسمى هو ألا نعلي شرعا فوق شرع الله، ولا نعلي قانونا فوق قانون الله، قانون الله هو الذي يحكمنا، نحن أمة مسلمة، ونرجو أن نكون من المؤمنين بالله، ممن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، هذا الرضا يقتضي أن أقبل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله في كليته، لا أن أقبل بعضه وأرد بعضه، وربنا سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 60-65]، وأنا تحدثت في خطبة الجمعة اليوم عن القضاء الموسع الذي يسع كل الأحوال، وكيف أن الرسول قضى قضاء أيسر، ثم عدل عنه إلى قضاء أشد وهو العدل عندما لم يعجب المحتكم إليه، فالشريعة ليست ضيقة، و90% من أمور الناس الشريعة لن تتدخل فيه، والشريعة تركت للناس أمور دنياهم، قانون المرور الشريعة لا تتدخل فيه، ولن تدخل في أمور الزراعات أو الصناعات، فقط تحكمها القاعدة العامة والأخلاقيات الإسلامية، ويترك للناس التفصيلات، فتطبيق الشريعة لم يمنع وجود دستور ولا وجود مجلس نواب أو مجلس شعب يقوم بوظيفة التشريع فيما لا يخالف شريعة الله، إذا كانت الديمقراطيات الغربية تجعل من الحرية الفردية واحترام الملكية والليبرالية التي هي الحريات العامة تجعل منها قوانين فوق دستورية، لا يجوز لدستور إنجلترا أو فرنسا أن يخترق الحرية، وهناك استثناءات ضرورية وخاصة، فكيف يجوز لنا أن نخترق أحكامًا ربانية من عند الله، ونحن نؤمن بها وأنها من عند الله عز وجل.

أما بالنسبة لفقه التدرج، فإن التدرج يكون في التطبيق وليس في التقنين، يعني نضع القوانين ونضع لها أمدًا، ونحن نقول إن القانون يطبق من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، أحيانا يجوز أن أقول يطبق هذا القانون من سنة من الآن –وأنا رجل دارس قانون-، والمشرع له هذه الصلاحية ويجوز أن أقول يطبق بضوابط كذا وكذا؛ لأن التدرج إذا كنا نقصد به تعليم الناس والأخذ بأيديهم فهذا واجب الوقت، أما إن كنا نقصد بالتدرج أن ننتظر حتى يغتني الفقير فهذا لن يحدث! فلا يوجد مجتمع خالٍ من الفقراء، فأمريكا بها أناس يأكلون من القمامة، فهل تنتظر أمريكا ولا تطبق القانون حتى يغتني هؤلاء؟! وأوروبا بها أناس تحت خط الفقر، قد يكون هناك إعانات ومساعدات من الدولة، نحن لسنا ضد هذا، لكن عملية تعليق تطبيق أحكام الله حتى يرزقنا الله، فهذه قضية ليست حقيقة وليست صحيحة، وسيدنا عمر في عام الرمادة لم يعطل بل كيّف تطبيق الحكم وفعّله، ولا يصح أن يقول لي شخص إن سيدنا عمر عطل حكم الله في حد السرقة عام المجاعة، أقول له لا، عمر طبق حكم السرقة بمراعاة ظروف الوقت، الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن تطبيق الحدود في أرض العدو، وهذا يسمى تفعيل الحد وليس تعطيله، لا يوجد حكم شرعي ولا حكم عادي يُطبق إلا بهذه الشروط الثلاثة أن تكون أسبابه قائمة، وأن تتوافر شروط تطبيقه، وأن تنتفي موانع التطبيق، فلو ارتكب إنسان جريمة تستوجب الحد ثم اتضح لنا أنه مجنون فالجنون مانع من موانع التكليف وإقامة الحد؛ فلا يُقام عليه، فهناك موانع زمانية وبيئية، وهناك سلطة القاضي التقديرية للحكم، فهناك دعاوى تتذرع بأن ظروف الناس غير مهيأة لتطبيق الأحكام الشرعية، فهذا حق يُراد به باطل، أقول إن الناس ظروفهم مهيأة منذ 14 قرنًا، وأحكام الله مردودها حتى على المستوى الدنيوي واضح، ولا أريد أن أتحدث عن تطبيقات السودان ولا تطبيقات السعودية؛ لأن كل يؤخذ منه ويرد عليه، ولكن أود أن أقول: إن دولة مثل السعودية ربنا نقلها من الفقر إلى الغنى نقلةً ما كانت من عمل أيديهم، وإنما نقلة أكبر مخزون للطاقة في هذا البلد، وهذه بركة تطبيق شرع الله، وهذه النقلة حدثت بعد تطبيق الشريعة، نحن نؤمن أن الرزاق هو الله، لكن لا نقول إننا نعطل أحكام الله حتى يضمن لنا الرزق، الله ضمن لنا الرزق، لكن توزيع الأرزاق يكون بشرع الله الذي يجعلنا نحسن التوزيع، فلن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، كل إنسان له رزقه، لماذا هناك فقراء؟ لأن هناك مَنْ جاروا في الحكم وظلموا ومنعوا حق الفقير في الزكاة، السؤال الذي نطرحه أن أي قانون في الدنيا لا يمنع الجريمة، الجريمة وقعت في زمن النبوة، لكن الفرق بين القانون الإلهي والبشري هو فرق إيماني، وكان الزاني يأتي على عهد الرسول الكريم ويعترف بنفسه على الزنا، لكن في عصرنا هذا نجد من يكذب ويدفع رشوة ليخالف الحكم ويتهرب من القانون، من أجل هذا أقول لا بد أن نحترم القواعد الشرعية ونجلها ونضعها على قمة التقنين، أما استبعادها فهذا نوع من أنواع الكفر والإلحاد في دين الله، قضايا التطبيق ضعوا من الضوابط والشروط ما تشاءون، نحن لا نتكلم في الاقتصاد ولا في السياسة، بل نتكلم في أوامر ربانية لم نعطلها نحن ولا أنتم، نقول اتقوا الله وارجعوا إلى هذا المنهج، أما عن التطبيق فضعوا له من الضوابط والسبل ونحن معكم، ولا يوجد مجتمع ليس به انحرافات، فهذه طبيعة البشر.   

 ** ماذا تقول لليبراليين والعلمانيين المتخوفين من الدستور الجديد؟

* هناك قاعدة تقول الناس أعداء ما جهلوا، وكثير من التيارات لم تدرس المسألة وهناك نوع آخر عندهم هوى في الرفض، فرفضوا الجمعية عند منشئها الأول والثاني، هم لا يتكلمون في المنتج، وهؤلاء لن يرضوا أبدا، هناك من يعارضون من أجل المعارضة على طول الخط، والعبرة ليست برفض تيار وقبول آخر، ولن يوجد دستور يرضى عنه الكل، العبرة بالتوافق العام والأغلبية الكاسحة، ولهذا لماذا الدستور يعرض للاستفتاء، وهذه التيارات تحاول أن تقلل من شأن الدستور، هناك سوء فهم بيننا وبين هؤلاء، مثل من تشاجرا بصوت عالٍ لو هدأوا لتفاهموا، ولذلك أمرنا ربنا ألا نسير وراء الناعق والزاعق، {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46]، فيا أخي افهم واهدأ، ولا تتعصب، ولا تقدم هواك، فالتيار الذي يرفض هم قلة سنرفق بهم حتى يتبين الأمر، والتيار الكبير والعاتي هو الذي يحتاج إلى توضيح.

** هل ترى وجود انقسام بين التيارات الإسلامية حول الدستور الجديد في ظل الدعوات إلى "مليونية تطبيق الشريعة" وصدور بيانات عن الإخوان والدعوة السلفية بالإسكندرية بمقاطعة المليونية وبيانات مماثلة لتيارات أخرى إسلامية أخرى تدع للمشاركة فيها؟

* هذا ينم عن عدم قدرة على التنظيم الجيد، هناك تيارات فاعلة رفضت النزول، لكنها أرجأته لحين الاستقرار على المسودة؛ لأن العمل في الدستور لم ينته بعد، وهناك من نزل من أجل الضغط مطالبا بتطبيق الشريعة، فالكل متفق من حيث المبدأ، هناك حزب النور له أعضاء في الجمعية والإخوان المسلمون لهم أعضاء في الجمعية، ولكن لا أعلم أحدًا يرفض الضغط السلمي لتطبيق الشريعة، أنا لم أنزل التحرير أبدًا، لكني لا أرفض النزول، ونحن نحشد الشعب المصري حشدًا من خلال توعيته، وأطالب بتطبيق الشريعة، إنا نخطب الجمعة على مستوى القطر كله فلو نزلنا جميعا فمن سيخطب؟! فالقاعدة فيها فرض الكفاية، فأنا أقوم بواجبي الدعوي في المساجد والفضائيات، وأترك لغيري كي يقوم بأمر النزول، وأنا أقوم بالجانب الدعوي، وأنا أعلم كل عندهم قدر من الإيمان نستطيع أن نتسلل إلى قلوبهم منه لنخاطبهم بهذا الأحكام.

الوضع في سيناء

** كيف ترون الوضع في سيناء الآن في ظل بروز ما يسمى بالنشاط الجهادي والتكفيري؟ وهل نحن أمام موجة جديدة التصفية الجسدية لقوات الأمن في سيناء على أيدي التكفيريين؟

* الوضع في سيناء مقلق ليس من أجل النشاط الجهادي، ولكن بسبب عبث أجهزة المخابرات العالمية بهذه المنطقة، فهذه المساحة للأسف إننا أسأنا لسيناء حينما هجرناها ولم نعمرها وطوال عمرنا نتكلم عن أرض الفيروز وما فيها من خيرات، مساحتها أكبر من فلسطين المحتلة، ترك هذه المنطقة خالية هو خطأ كبير وقعنا فيه، وكل من كان يُضطهد من هذا الفكر كان يهرب إلى هناك، والتيار التفكيري بالحوار والنقاش تراجع وغير فقهه وفتاويه، لا بد من تواجد أمني نضمن به إحكام القبضة على سيناء، وهناك مخططات معلنة تخطط لتقسيم مصر، ولو احتجنا أن نتحايل أو نراجع بنود كامب ديفيد فلنفعل، والإمكانية واسعة أمام الدولة.

المسألة الثانية: هي المسألة الدعوية، للأسف إنني دعيت في 1985م لمؤتمر دعوي في العريش نظمته الهيئة العالمية للشباب المسلم بالسعودية في مدينة العريش وكان برنامج المؤتمر به معسكر لمدة ثلاثة أيام فرحب بنا الشباب هناك وكانوا سعداء جدًّا بوجودنا وسطهم، وأعطى مردودًا طيبًا، ومجموعة من شباب سيناء جاءوا هنا وطلبوا مني -إذ كنت رئيس جمعية أنصار السنة ساعتها- إنشاء مسجد هناك في العريش لأنصار السنة، ولكن للأسف عجزت عن إنشاء المسجد حيث جاء الرفض الأمني حائلا بالرغم من منهجنا الوسطي المعتدل، وهكذا تُركت هذه المنطقة للفكر المنحرف، إن الفكر المستقيم المعتدل هو الذي يرد الناس للعدل، فعندما أرى راقصة مكرَّمة وعالما غير مكرم فهنا يحدث الخلل في الفهم، وأعجبني القافلة الدعوية التي قام بها الأستاذ عمرو خالد لسيناء، فقد جاءت بمردود طيب، واشترك فيها ابناي عبد الرحمن وأحمد وذهبوا إلى هناك، البلد بحاجة إلى توعية.

** في ظل فتاوى تكفر الحاكم "الإخواني" وتستبيح دماء المواطنين، هل مصر ستعود إلى سيناريو التسعينيات؟

* الفكر المتطرف موجود في كل وقت وزمان، لكنه يزداد ويخفت بحسب ما في المجتمع من وضوح للرؤية إذا وضحت الرؤية وعم العدل والأمن فسيختفي الفكر المتطرف ويندثر، إذا ظهر عدم العدل ابتعدت المساحات والمسافات ووجدت مساحات ظلامية صالحة لإنبات فكر متطرف.

نحن دائما وأبدًا ضد تكفير ولي الأمر، وإن ظلم وإن جار، وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحكام الظلمة، أفلا نقاتلهم يا رسول الله؟ قال: "لا ما صلوا"، وقال في موضوع آخر: "اصبروا حتى تروا كفرا بَوَاحًا"، الكفر لا بد أن يكون بَواحًا، لا يحتمل التأويل، أي معلن وظاهر وعندكم من الله فيه برهان، أول من يدرك هذا الكفر هم علماء الأمة، وللأسف شبابنا يطعنون في علماء الأمة ويقولون بأنهم باعوا قضية الشرع وانحازوا للسلطان!

نحن ضد منهج التكفير بهذه الصورة، خاصة أنه لا يوجد شيء اسمه تكفير للمسلم، فلا يسمى المسلم كافرا، بل يقال مرتد، والمرتد يُستتاب، والردة من ضوابطها الاستتابة وليس لها وقت يمكن أن تستمر يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، ولو كان هذا المرتد له فئة تمنعه يقاتل وليس يقتل؛ لأنه يريد أن يفرض ما يخالف الشرع، وتقوم بهذا الدولة ويقاتل في تل البغاة والكفرة، هذه مسائلُ الفقهُ أشبعها بحثا. فقهاؤنا يقولون إذا أنكر الشخص معلومًا من الدين بالضرورة يكفر، وهذه اجتهادات فقهائنا القدامى أؤمن بها، والرسول أخبرنا أن من قال لا إله إلا الله لا يجوز لأحد أن يكفره، وقصة أسامة عندما كان يقاتل الكفار وقتل رجل قال كلمة لا إله إلا الله في أثناء القتال، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "لِمَ قتلْتَه؟ قال: يا رسول الله أوجع في المسلمين، وقتل فلاناً وفلاناً - وسمى له نفراً، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته؟ قال: نعم، قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: يا رسول الله استغفر لي، قال: وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة قال فجعل لا يزيد على أن يقول فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة".

المطلوب إذن يا أستاذي أن نرد الشبهة إذا المرتد أورد شبهة، ونقاتل الفئة التي تمنع مَنْ ارتد وتسانده، وحينما نتكلم عن حكم الكافر والمرتد لا بد من الحوار الهادف للتعليم؛ والحوار يأتي بنتائج كبيرة.

** بماذا ترد على مخاوف المصريين من موجات العنف الجديدة في سيناء والخلية الإرهابية في مدينة نصر؟

* المخاوف مشروعة ومقبولة، وأنا لا أحب أن أعلق على أمور أمنية لأنني لست مطلعًا على الأدلة، نتركها لأهلها وأهل الاختصاص فهم أعلم بها، أنا خائف من الفكر المتطرف أن يجد من يبرزه ثانية، فمن كفَّر مبارك وقتل السادات بزعم الكفر على استعداد أن يكفر مرسي والإخوان ما دام ليس هناك تغيير ولا لا حوار.

** ما رأيك في الرئيس مرسي؟

يعجبني في الرئيس مرسي أن يفتح بابه للقاء كل التيارات، سواء هذا يعجب الناس أم لا، حتى مع الفنانين، التيارات المدنية عندنا في مصر في لحظات معينة تأتي بأشياء غريبة، يريدون جمعية تأسيسية جديدة! يجب أن نتحاور، الفكر المتطرف موجود، وكان موجودا وسيظل، ندرؤه بالانفتاح وبالحوار لا بد أن نترك الدعاة يعالجون الأمر، وسنصل لنتيجة طيبة في إطار السلمية والنصيحة وأمرنا الله بالطاعة ومناصحة كل مسلم وخاصة ولاة الأمر، والنصح لكل مسلم قاعدة أصولية عقدية والسمع والطاعة، كل هذه علاقات بين السلطة والتيارات حتى تستقيم الأمور وتستقر الأوضاع.

** كيف ترى تجربة انتخاب البابا الجديد؟ وما هو تصوركم للعلاقة بين المسلمين والنصارى؟ وبماذا تنصح العقلاء وعلماء الدين الإسلامي ورجال الديني المسيحي بهذا الشأن؟

*هذا أمر يخص النصارى في مصر ليس لنا أن نعقب عليه لا بالإيجاب والسلب؛ لأنه شأن يخص فصيلا مصريا موجودا نحترم وجوده في هذه الأرض وجواره، والعلاقة بيننا وبينهم علاقة بر لقوله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [الممتحنة: 8] لا يكون فيها صراع ولا حدّة، بل يكون فيها رفق وصانا النبي صلى الله عليه وسلم بجارنا المسلم وغير المسلم، والصاحب في السفر والصاحب بالجنب، وكيف انتشر الإسلام في مصر فمن دخلوا مصر كانوا أربعة آلاف، فكيف وصلوا لهذا الحد، كانوا يتصاهرون ويتناكحون ويتحاورون والله تعالى يقول {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، وهناك من المسلمين من يقرف عندما يأكل عند النصارى! وهذا بسبب جهله وليس بسبب الإسلام، فالنصراني طعامه حلال وذبيحته حلال، وهذا يُوجِد مساحة تقارب وتواصل تؤدي للدخول في دين الله وتجذب الناس لهذا الدين، والهداية يملك مفاتيحها رب العالمين قال {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].

** ما هي رؤيتك لدور الأزهر ومرجعيته في الدستور الجديد؟

شئنا أم أبينا الأزهر هو مرجعية المسلمين في مصر، وكنا نود أن يحافظ الأزهر على دوره العالمي والمحلي، للأسف دوره العالمي تهاوى وكذلك دوره المحلي اليوم، نضرب مثالا نحن جمعية أنصار السنة التي تأسست منذ 1926، اثنان من شيوخ الأزهر تعلما في أنصار السنة وكانا صاحبين للمؤسس الشيخ الفقي الذي كان أزهريا بدوره، هما الشيخ هراس والشيخ شلتوت، لماذا الخصام، لماذا لم يُدخلوا فردا من الجمعية في مجمع البحوث أو هيئة كبار العلماء؟! دعاتنا انفتحوا على المجتمعات وهم انغلقوا على مؤسساتهم العليا، هل نحن ليس عندنا دكاترة أو علماء أو باحثون؟! للأسف كثير من الناس لا يثقون الآن في فتاوى الأزهر، وهذا يؤلمني كثيرًا، فصار الناس يتركون لجان الفتوى ويأتون لنا يقولون إننا نثق فيكم وهذا منحدر خطير، وعندما جلسنا مع شيخ الأزهر طلبنا إزالة هذه الهوة بيننا بالحوار، الأزهر شئنا أم أبينا فنحن أزاهرة، أنا وإن كنت لم أتعلم في الأزهر فأولادي كلهم أزهريون، أنا اختلفت مع الشيح سيد طنطاوي يرحمه الله، وكان يحبني وأحبه، وكتبت ردًّا على فتاويه في موضوع الفوائد البنكية ونشرته بمجلة التوحيد، وبالرغم من ذلك لما وجدته وحيدًا في مطار جدة ليس معه أحد وكنا راجعين من مؤتمر الجامعة الإسلامية قمت وسلمت عليه وكان معه حقيبتان وليس معه أحد فحملت حقيبة وطلبت من الدكتور عبد الله شاكر نائب الرئيس العام ساعتها أن يحمل الحقيبة الأخرى، فرفض الشيخ طنطاوي وأقسمنا عليه عندما رفض، ولم نتركه حتى اتصلنا بسكرتيره الخاص في مصر؛ وذلك لمنصبه ومكانته في قلوبنا، ولِسِنّهِ ولأنه رجل مصري، هذا الحب يجمعنا، قد نختلف في مسألة فقهية أو مسألة ما في المنهج، وأنا قلت للشيخ مختار المهدي: له اسمح لنا أن نختلف، وأنا أحبك وأنت تحبني، أخالفك وأنا أحبك، ولن نكون نسخا كربونية من بعض، فطالما أن هناك اجتهادا ستجد هناك مساحة اختلاف بين المجتهدين، المهم كيف تكون مع الدليل أو أقرب للدليل ولا تسفه رؤية غيرك.

 

** ما هي رؤيتكم لمستقبل مصر في ظل الحكم الإسلامي؟ وأي النماذج في نظركم ترى أنه الأصلح للتطبيق والأولى بالاتباع في ظل تعدد الآراء والخلافات الفقهية بين التيارات الإسلامية؟

* أولا أنا لا أرى حكمًا إسلاميًّا مطبقًا الآن، الثورة غيرتنا نحن في أمور كثيرة، جعلتنا أكثر جرأة ومطالبة بحقوقنا، ولذلك أقول على الدعاة الإلحاح في المطالبة بتطبيق الشريعة، هذه مسألة هي المحك بالنسبة لكل الدعاة، فهذا هو المطلب هو المهم الآن، فإن لم نسترد تطبيق الشريعة الآن فهل نضمن أن يتاح لنا مثل هذه الظروف مرة ثانية؟! الأمر الثاني هذه الثورة ساعدت المصريين في استرداد الكرامة والحرية وإن كنا بحاجة إلى ترشيد وتفهيم وإن لم نوفر رغيف العيش والأمن بعد والناس تشعر أنها أكبر من الدولة، ولا بد من التوعية، ولا بد أن نستغل هذا الحماس في مصلحة البلد، الإنتاج لا بد منه، المضربون فئويا لا بد من ترشيدهم وتوعيتهم.

إن تطبيق الشريعة لن يتم في يوم وليلة، بل لا بد من تهيئة الناس، ولا نمنع التطبيق الفوقي للشريعة، مصر أفضل بعد يناير هذا قولا واحدا، الظروف الاقتصادية ضعفت، والأمن تأثر هذا يقين، الاقتصاد تأثر هذا يقين، ولكن هكذا الثورات، الاستقرار لا يأتي إلا بعد وقت والانتعاش لا يأتي إلا بعد وقت، ولن ننتعش حتى نستقر، الاستقرار مقدم على الانتعاش والاستقرار له ضوابط وأصول فلا بد أن يقوم على عدالة اجتماعية، وهذا ما توفره شريعتنا على الوجه الأمثل، والبعض يقول نستقر أولا، لا بد أن نستقر على أصول ثابتة راسخة سليمة؛ فالاستقرار لو كان على باطل فلا فائدة منه، فلن يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.

مطالبنا ليست فئوية، نحن نقول شرع الله افرضوه علينا؛ لأن الله هو الذي فرضه، ومن رفض أن يستقيم لشرع الله فليوصِّف لنا نفسه، فهذا متمرد عاتٍ جاحد، وكل هذه أوصاف كفرية، وأنا لا أكفّر أحدًا، والحوار سيبيد هذا إن شاء الله، فأنا أقول لا بد من وضوح الرؤية، إن شاء الله أنا واثق أن مصر ستمر وتعبر هذه المرحلة، فمصر حباها الله من القدرات والإمكانات ما يجعلها سوف تعبر هذه المرحلة، والمصري من شعوب العالم، المصري فنان بطبعه إذا وجه توجيها صحيحا فيسنتج وسينجح، ولا بد أن نستغل الطاقات الإيجابية في الشعب المصر، كل هذه السبل والوسائل إن شاء الله ستغير ما بنا ولا بد من أن ندعو الله تعالى أن يغير من نحن فيه {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].  

** زعم البعض أن الإخوان يستغلون السلفيين والجماعات الأخرى كفزاعة للداخل والخارج فما رأيكم في هذا؟ وما حقيقته؟

الفزاعات كثيرة، والإخوان كانوا فزاعة في يوم من الأيام في النظام السابق، حيث كان يطلق عليهم الجماعة المحظورة، أنا لا أدري هل الإخوان يستغلون غيرهم أم لا، وأنا لا أحب أن أعولب الأفكار، ولي خلافات كبيرة مع فصيل الإخوان، أنا في يوم من الأيام قلت لمسئول كبير في أمن الدولة، حيث كانوا يخوفنا من الإخوان: "الإخوان أقرب إلينا منكم".

أنا أعتقد أن نظام الإخوان الآن مع كل ما يُخَوَّف به أو يرهب منه -هو نظام أفضل، فالإخوان جاءوا بانتخاب الشعب في مجلس الشعب وفي مجلس الشورى ورئيس الدولة إخواني جاء بانتخاب الشعب، لا يزعم أحد أن هناك تزوير، ومن زعم فهي مزاعم خاوية، هذه إرادة شعب لا بد أن نحترمها، بعض الناس لديهم مخاوف من سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة، أقول هذا أمر طبيعي فهم الحزب الحاكم الآن، ومن أراد أن يمد جذوره في المجتمع فليفعل.

أقول أنا لست خائفًا لأنني لي جذور ممتدة في قاع المجتمع المصري، للأسف فالأحزاب النخبوية الكرتوينة هي التي تخوف الناس، الإخوان المسلمون لهم أشياء نختلف معهم فيها وننكرها عليهم بشدة، كثير من التصريحات من بعض مسئوليهم الآن غير مقبولة وغير مبررة وتسيء أكثر مما تحسن، أفضل مؤسسة منبثقة عن الإخوان هي مؤسسة الرئاسة، فهي مؤسسة منفتحة ومتواصلة مع الكل وهذا شيء جميل، الرئيس مرسي خرج من الإخوان ليكون رئيسًا لكل المصريين.

أنا لا أعتقد أن هناك قرارا أخذه مرسي هو عن طريق جماعة الإخوان، وأنا لو مكان الرجل لا أقبل هذا، والزعم القائل بأن قراراته عن طريق مكتب الإرشاد، أنا لا أقبل هذا والرئيس مرسي ينبغي عليه ألا يقبل هذا، وينبغي علينا ألا نخضع لما يُروّج من شائعات، فأكثر ما ينكر على الرئيس مرسي اليوم أنه يصلي في المساجد بالناس إمامًا وفي قصر الرئاسة!! وينكر عليه أنه أثنى عليه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في إيران!!

** هل تعرف الرئيس مرسي وهل زرته في قصر الرئاسة؟

* أنا لم أزر قصر الاتحادية، أنا أعرف الرئيس معرفة سطحية والتقيتُهُ في برنامج تلفزيوني على إحدى الفضائيات، ولم أكن صديقا له، أقول أعطوا للرجل الفرصة، القوانين كفلت له فرصة 4 سنوات فليأخذ فرصته، فإذا أدى لنا ما نريده فسوف نختاره مرة ثانية وإلا فلا، في خطبة العيد –وإن كانت بوابة الوفد الإلكترونية نشرت على لساني كلامًا مغلوطًا- إلا أنني خاطبت التيار السلفي والإخواني، وناديت عليهم إننا اخترناكم لتطبيق الشريعة، فلو حدث تفريط سوف نسقطكم مرة ثانية، فكيف نظل نساوم ونمالئ ونميّع، أنا أشفق على الرئيس لما يتعرض له من ضغوط وما عليه من مسئوليات، وأنا أعتقد أن هناك قصورا في مؤسسة الرئاسة بخصوص الأمر الذي نطلبه.

** هل من رسالة توجهها لرئيس الجمورية الدكتور مرسي؟

* نعم لي رسالة ليتها تصل إلى الرئيس محمد مرسي من فوق منبر الأهرام وهي: الرئيس يملك الآن سلطة التشريع، وقال لن أستخدمها إلا في أضيق الحدود، أقول له يا سيادة الرئيس نريد أن نقضي على البلطجة وسرقة السيارات، ونعاقب من قتلوا أبناءنا في سيناء وقطاع الطرق، نريد مرسومًا بقانون مصدرًا بآية الحرابة والفرصة قائمة أمامك، ونحن نطبق أحكامًا عسكرية وقد تصل للإعدام، وهذا يرسل رسالة للجميع أن هذا قانون الله ورسوله، قال ربنا جل وعلا {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] هذا القانون الناس محتاجون له، والحادث هو الإرهاب وترويع المواطنين، متى تُصدِر مثل هذا القانون؟ هذا ما تفرضه ظروف الوقت الآن، ولا بد أن تضع له الضمانات هذا نموذج، وليت صوتي يصل إلى الرئيس، ويقبل مني هذه النصيحة، وأنا أحبه، وأدعو له في صلاتي فبصلاحه تنصلح الأمة، ومنهجنا في أنصار السنة في العقيدة أن ندعو لولي الأمر دائمًا وأبدًا، فبصلاحه تنصلح الأمة وبفساده تفسد الأمة.

** هناك انفلات أخلاقي في المجتمع المصري ما مبعثه؟ وكيف تتم مواجهته والتعامل معه؟

* هناك انفلات أخلاقي قديم، وزاد مع الحرية، ويبدو أننا فشلنا في الوصول للكثير من طبقات الشعب تربية وتوعية وتعليما للأخلاق الشرعية السليمة، ولعل هذا يفتح لنا الأبواب للدعوة وملامسة القلوب، ربما تقابل مجرمًا فإذا دعوته للصلاة وجدت فيه رقةً وخضوعًا، قلوبنا مهما كانت معاصينا فيها جزء يميل للخير، وبها إيمان، والقضية ليست خطبًا على المنابر، هذا الكلام يحتاج إلى سلوكيات وتحاور وهدوء وتقارب، ونوجه شبابنا لهم كي يسمعوا منهم ويُسمِعوهم، فلو وصلنا لهذا سيكون هناك منتج جيد، وهذه الصورة عاكسة لواقع الغليان، وعندما تستقر الأمور ستقل هذه الحدة، وهذا قصور منا نحن في الإصلاح والدعوة والإبلاغ وهو ما ينبغي أن نبحث له عن حل.

** هناك موجة الإلحاد على شبكة الإنترنت والفضائيات ماذا ترون بشأن مواجهتها والتصدي لها؟

* هذه الموجات موجودة دائما من قديم الزمان، ربما الإنترنت والإعلام يلقي الضوء على هذه الموجات الإلحادية، أنا مع الحوار من المتخصصين، وعيب كبير أن يخرج من هو غير مؤهَّل ويتصدى لأمثال هؤلاء، فالشيخ ديدات يرحمه الله لم يكن عربي اللسان ولكنه كان صاحب حجة وكان كفاءة في الحوار، وحاور أعداء الإسلام بلغاتهم، وانتصر عليهم في كثير من مناظراته، وكان له باع طولى في إقامة الحجة على هؤلاء، ألا لله الحجة البالغة؟!. فأي ملحد في العالم إذا أراد الله له الخير نجده سيهتدي؛ فإذا قدر الله لهؤلاء أن يهتدوا فليهتدوا، ونحن نخاف على المسلم الملتزم من هذه الأفكار؛ لأنه يمكن يدخل للمناظرة فيخرج مشبعًا ببعض هذه الشبهات والشكوك، فكيف بشبابنا غير المحصن وغير الملتزم، بالطبع سيكون عرضة لأن ينهش ولأن يُلبّس عليه وتتسلل إلى قلبه بعض هذه الأفكار والشبهات، التحاور مع هؤلاء يكون له ضوابط إن كانوا مروجين وأصحاب أجندات ووراءهم مَنْ يناصرهم فنتجاهلهم كي لا يذيع صيتهم، أما إن كانوا أفرادًا عندهم شبهات فلنناقشهم بهدوء وبحوار هادف بناء كي نأخذ بأيديهم ونصحح لهم ما وصل إلى عقولهم من أغاليط، أما شبابنا وأبناؤنا لا بد أن ننصحهم ونخاف عليهم من مثل هذه الأشياء، فالشباب يقلد دائما تسريحات الشعر والموضات وجماعة عبدة الشيطان نتجت عن طريق تقليد الشباب لبعضهم فانتشرت مثل هذه الخرافات، لا بد من أسلوب تربوي لمناقشة هؤلاء الشباب والأخذ بأيديهم إلى الهدى، فالإلحاد سيظل في الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها والكفر سيظل في الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والإسلام سيظل في الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وحتى ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ويقتل المسيخ الدجال ويدعو الناس للإسلام ويرسل الله ريحًا طيبة فتقبض أرواح المؤمنين، ولا يبقى إلا شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.

تاريخ الاضافة: 21-11-2012
طباعة