خطبة الغدير وتزوير الروافض



الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعلى رسل الله أجمعين.


 


وبعد:


فإنَّ المدَّ الرافضيَّ في عصرنا صار أمرًا مقلقًا لكلِّ صاحب سُنَّة، فقد أصبح لهم دُعاةٌ وعملاء يجوبون القُرى، ويُشكِّكون عوامَّ المسلمين في ثوابت الدِّين، وصحفيُّون يَبثُّون سمومَهم في بعض الصحف الصفراء، وأصبح لهم دعاةٌ يحسنون التلفيق والتزوير، ويدخلون على عوامِّ المسلمين بيوتهم من خلال شاشات الفضائيات التي تُروِّج لمذاهبهم، وتشكك المسلمين في أصول السُّنَّة وما أجمع عليه أهلُ الفضل من سلف الأمة، وبعضُ عوامِّ المسلمين - خاصَّة ممن يغلب عليهم الكثيرُ من البدع - يرون هذه القنواتِ قنواتٍ دِينيَّةً، يأخذون منها الدِّين والعقائد، والأحكام الشرعية؛ (مثل قناة الأنوار الكويتيَّة، وقناة الفرات العراقية، وقناة الكوثر الإيرانية، وغيرها الكثير، وإنَّما ذكرتُها لنَحْذر منها، ونُحذِّرَ عوامَّ المسلمين من الاغترار بها).


 


ومِن المسائل التي كثُر الكلام عنها في هذه القنوات في هذه الأيَّام: مسألةُ النصِّ على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وكيف أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -قال لأصحابه يوم الغدير: ((مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه))، وما رتَّبوه على ذلك مِن اعتبار علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هو الخليفة بعدَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالنصِّ الواضح الجلي، وكيف تآمَر الصحابة - رضوان الله عليهم، بزعم هؤلاء الروافض - على أميرِ المؤمنين عليِّ بن أبي طالب، فحرموه حقَّه الشرعي في ولاية أمرِ المسلمين، الذي أوجبَه الله - تعالى - له، وحَرَموا الأمَّةَ المسلمة من الخليفة الشرعي الذي يقوم فيهم مقامَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو المعصوم الذي لا يُخطئ هو وسائر الأئمَّة من بعده، كما أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو المعصوم بوحيِ السماء؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 3 - 5].


 


وأنَّ هؤلاء الصحابة حَمَلهم الحقدُ عليه، والحسدُ له ولبني هاشم: أن تجتمعَ النبوَّة والخِلافةُ والإمامة فيهم، وهم آل بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذين أذهب الله عنهم الرِّجسَ، وطهَّرهم تطهيرًا، فما كان منهم إلاَّ أنَّهم جحدوا وصيةَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي أشهدَهم عليها يومَ الغدير، ونكصوا على أعقابِهم، وارتدوا على أدبارهم، وحملهم على ذلك عصبيَّةٌ جاهلية، وحقدٌ دفين على آل بيت النبي الكريم - صلوات ربى وسلامه عليهم.


 


وكان الذي تولَّى كِبَر هذا الإفك شيخَا قريش/ أبو بكر وعمر، ومن بعدهم عثمان، وسائر المهاجرين والأنصار، ولهذا استحقَّ الشيخان أن يكونَا عندَ هؤلاءِ الأفَّاكين والمزوِّرين صَنمَيْ قريش، والجبت والطاغوت، وأن تكون ابنتاهما - عائشة وحفصة - مِن ألدِّ أعداء آل البيت؛ لأنَّهما خانَتا الله ورسوله، كما كان من امرأةِ نوح وامرأة لوط - عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام!!!


 


سبحان الله العظيم! ما هذا الكذب والبهتان الذي يُروِّج له هؤلاء الروافض، ويريدون أن يُلبِّسوا به على عوامِّ المسلمين كذبًا وزورًا؟!


 


وقديمًا قال الإمام الشافعي: "ما رأيتُ أحدًا أشهدَ بالزور من الرافضة"؛ "سير أعلام النبلاء" (10/89).


 


لقد افتعل هؤلاء المزوِّرون الوقيعةَ بين أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، ورضوان الله عليهم - وبين آل بيت رسول الله، وحَكموا على خير قرون هذه الأمة بأنَّهم شرُّ القرون على الإطلاق، وطعنوا على السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار الذين زكَّاهم الموْلَى - تبارك وتعالى - في كتابه ورضي عنهم، ورضوا عنه، فكذَّبوا القرآن، وكذَّبوا الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكَذَبوا على أهل بيتِه الطيِّبين الطاهرين، وافتعلوا باسمهم صراعاتٍ أدَّتْ إلى سفك الدِّماء، وانتهاك الحرمات على مدى تاريخ الأمَّة.


 


فما هي قصةُ الغدير؟ وماذا قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خُطبته في غدير خم؟




روى مسلم في صحيحه، ك "فضائل الصحابة"، ب "من فضائل علي - رضي الله عنه"، برقم (4425)، عن يزيدَ بن حيَّان، قال: انطلقتُ أنا وحصينُ بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيدِ بن أرقمَ، فلمَّا جلسْنا إليه، قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا؛ رأيتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسمعتَ حديثَه، وغزوت معه، وصلَّيْتَ خلفه، لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا، حَدِّثْنا يا زيدُ ما سمعتَ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: يا ابنَ أخي، والله لقد كَبِرتْ سِنِّي، وقدُم عهدي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعي من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما حدَّثتُكم فاقبلوا، وما لا فلا تُكلِّفونِيه، ثم قال: قام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا فينا خطيبًا بماء يُدعَى خمًّا بين مكة والمدينة، فحَمِد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: ((أمَّا بعدُ، ألاَ أيها الناس، فإنَّما أنا بَشَر، يُوشِك أن يأتيَ رسولُ ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلَيْن، أولهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنُّور، فخُذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم اللهَ في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي))، فقال له حصين: ومَن أهلُ بيته يا زيدُ، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه مِن أهل بيته، ولكن أهل بيته مَن حُرِم الصدقة بعدَه، قال: ومَن هم؟ قال: هم آلُ عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كلُّ هؤلاء حَرِم الصدقة؟ قال: نعم.


 


وزاد في حديث جرير: ((كتاب الله فيه الهدى والنور، مَنِ استمسكَ به وأخَذَ به، كان على الهُدى، ومَن أخطأه ضَلَّ)).


 


والحديث رواه الإمام أحمد في أول مسند الكوفيين برقم (18464)، بنحو من لفظ مسلم: عن يزيد بن حيان التيمي، قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيدِ بن أرقمَ، فلمَّا جلسْنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا، رأيتَ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسمعتَ حديثَه، وغزوتَ معه، وصليتَ معه، لقد رأيت يا زيدُ خيرًا كثيرًا، حدِّثْنا يا زيدُ ما سمعتَ مِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا ابنَ أخي، والله لقد كَبِرتْ سِنِّي، وقدم عهدي، ونسيتُ بعضَ الذي كنتُ أعي من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فما حدثتُكم فاقبلوه، وما لا، فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا خطيبًا فينا بماء يُدعى خمًّا بين مكَّة والمدينة، فحمد الله - تعالى - وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر، ثم قال: ((أمَّا بعد، ألاَ يا أيُّها الناس، إنَّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسولُ ربي - عز وجل - فأجيب، وإنِّي تاركٌ فيكم ثقلَيْن، أولهما كتاب الله - عز وجل - فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله - تعالى - واستمسِكوا به، فحثَّ على كتاب الله، ورغَّب فيه، قال: وأهل بيتي أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي))، فقال له حصين: ومَن أهلُ بيته يا زيدُ؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟! قال: إنَّ نساءَه من أهل بيته، ولكن أهل بيته مَن حُرِم الصدقةَ بعدَه، قال: ومَن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: أَكُلُّ هؤلاء حُرِم الصدقةَ؟ قال: نعم.


 


ورواه الدارمي في "فضائل القرآن" برقم (3182): عن زيد بن أرقمَ قال: قام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومًا خطيبًا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((يا أيُّها الناس، إنَّما أنا بشر، يُوشِك أن يأتيني رسولُ ربي فأجيبه، وإنِّي تاركٌ فيكم الثقلَيْن؛ أولهما: كتاب الله، فيه الهُدى والنور، فتمسَّكوا بكتاب الله، وخذوا به، فحثَّ عليه، ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أُذكِّركم الله في أهل بيتي - ثلاث مرات)).


 


وروى الإمام أحمد في مسنده في باقي مسند الأنصار، برقم (22461): عن رِياح بن الحارث قال: جاء رهطٌ إلى عليٍّ بالرَّحْبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قومٌ عرب، قالوا سمعْنا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ غَدِير خُمٍّ، يقول: ((مَن كنتُ مولاه، فإنَّ هذا مولاه))، قال رياح: فلمَّا مَضَوْا تبعتُهم، فسألتُ: مَن هؤلاء؟ قالوا: نفرٌ من الأنصار، فيهم أبو أيُّوب الأنصاري، حدَّثنا أبو أحمد، حدَّثنا حنش عن رياح بن الحارث، قال: رأيتُ قومًا من الأنصار قَدِموا على عليٍّ في الرحْبة، فقال: مَن القومُ؟ قالوا: مواليك يا أميرَ المؤمنين، فذَكَر معناه.


 


وروى ابن ماجه في المقدمة، برقم (118): عن عبد الرحمن، عن سعد بن أبي وقَّاص قال: قَدِم معاويةُ في بعض حجَّاتِه، فدخل عليه سعدٌ، فذَكَروا عليًّا، فنال منه، فغَضِب سعدٌ، وقال: تقول هذا لرجلٍ سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه))، وسمعتُه يقول: ((أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى، إلاَّ أنَّه لا نبيَّ بعدي))، وسمعتُه يقول: ((لأُعطينَّ الرايةَ اليومَ رجلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه))؟!


تحقيق الألباني: صحيح، الصحيحة (4 / 335)، ورواه مسلم بنحوٍ من هذا اللفظ.


 


وروى أحمد في "مسند العشرة" برقم (906): عن سعيد بن وهب، وعن زيدِ بن يثيع، قالا: نَشَد عليٌّ الناسَ في الرَّحْبة: مَن سَمِع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول يوم غَدير خُمٍّ إلاَّ قام، قال: فقام مِن قِبل سعيد ستَّة، ومِن قِبل زَيدٍ ستَّة، فشهدوا أنَّهم سمعوا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول لعلي - رضي الله عنه - يومَ غَدير خُمٍّ: ((أليس الله أَوْلى بالمؤمنين؟! قالوا: بلى، قال: اللهمَّ مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه، اللهمَّ وَالِ مَن والاه، وعادِ مَن عادَاه)).


 


وروى أحمد في أول "مسند الكوفيين" برقم (17749):


عن البراء بن عازب، قال: كنَّا مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في سفر، فنزلْنا بغَدير خُمٍّ، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكُسِح لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحتَ شجرتَين، فصلَّى الظهر، وأخذ بِيَدِ عليٍّ - رضي الله تعالى عنه - فقال: ((ألستُم تعلمون أنِّي أَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟)) قالوا: بلى، قال: ((ألستم تعلمون أنِّي أوْلَى بكلِّ مؤمن من نفسِه؟)) قالوا: بلى، قال: فأخَذَ بيد عليٍّ فقال: ((مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه))، قال: فلقيه عمرُ بعدَ ذلك، فقال: هنيئًا يا ابنَ أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كلِّ مؤمن ومؤمنة.


 


هذه هي خُطبةُ الغَدير كما رواها أئمَّة السُّنة في الصِّحاح والمسانيد، وقد أفردَها بعضُهم بالتصنيف، كما فعل ابن جرير الطبريُّ، وابن عساكر.


 


ولو كان الصحابة - رضوان الله عليهم - قد جَحدوا وصيةَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فَلِمَ لم يكتموا أمرَ هذه الوصية، ويمنعوا هذه الرِّوَايات؟! ولماذا تناقلها علماءُ السُّنة جِيلاً بعدَ جيلٍ، يَتعبَّدون لله - عز وجل - بحبِّ آل بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - متمثِّلين وصيتَه - صلَّى الله عليه وسلَّم –: ((أُذكِّركم الله في أهل بيتي))؟!


 


لقد عاشَ آلُ بيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كَنفِ الخلفاء الراشدين بخيرِ حال، حتى وقعت الفتنة، واقتتَل الصحابةُ في "الجَمل"، و"صِفِّين"، وتعرَّض بعضُ أهل البيت لكثيرٍ من الفتن بعدَ زوال الخِلافة الراشدة، ووقوع القتال على المُلْك، واستغلَّ هؤلاء الروافضُ هذه الأجواءَ لِبَثِّ سمومهم في الأمَّة الإسلاميَّة، فطعنوا على خيرِ قرون الأمَّة، متوسِّلين بذلك للطعن في دِين الله - عزَّ وجلَّ - لأنَّ الصحابة هم نَقلةُ هذا الدِّين قرآنًا وسُنَّة.


 


قال أبو داود السِّجْستاني: "لَمَّا أتَى الرشيدُ بشاكر  رأسِ الزنادقة ليضربَ عنقَه، قال: أخبِرْني: لِمَ تُعلِّمون المتعلِّمَ منكم أوَّل ما تعلمونه الرفضَ والقدر؟ قال: أمَّا قولنا بالرفض، فإنَّا نريد الطعن على الناقلة، فإذا بَطَلتِ الناقلة، أوشكَ أن نُبْطل المنقول، وأمَّا قولنا بالقَدَر، فإنَّا نُريد أن نُجوِّزَ إخراجَ بعض أفعال العباد لإثبات قَدرِ الله، فإذا جاز أن يخرج البعضُ جاز أن يخرج الكل"؛ "تاريخ بغداد" (5/66).


 


لقد زَعمَ بعضُ الأفَّاكين أنَّ الصحابة حَرَّفوا القرآن، وحَذَفوا آياتِ الولاية والوصية لأمير المؤمنين عليٍّ - رضي الله عنه - وللأئمَّة من بعده، فضلاً عن تحريف أقوالِ النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - وسُنَّته.


 


ومِن الكَذِب الذي يُروِّج له هؤلاء المزوِّرون: أنَّ قول الله – تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].


نزلتْ في غَدير خُمٍّ، وقد بلَّغ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ عليًّا هو الخليفة من بعده - كما يزعم هؤلاء الأفَّاكون.


 


وزعموا أنَّ قول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55]، نزلتْ في عليٍّ - رضي الله عنه - وأنَّه تصدَّق بخاتمِه وهو راكعٌ في الصلاة، وأنَّ الآية نصٌّ على ولاية عليٍّ وإمامته.


 


ومن تتبَّعْ إفكَ هؤلاء يجدِ العجبَ العُجاب، كقولهم: إنَّ آية الإكمال نزلتْ يوم الغَدير، وهي قول الله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، ومعلوم أنَّها نزلتْ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعَرفةَ في الموقف.


 


ويكفي للردِّ على كَذِب هؤلاء: أنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبى طالب بايَع الخُلفاءَ الراشدين قبله، وكان بمثابة الوزيرِ والمستشار لهم؛ ولَمَّا آلتْ إليه الخلافةُ، ووقعتِ الفتنة، وزعمَ الخوارج أنَّه لا يصلح للخِلافة، جَعَل يستشهد بالصحابة - رضوان الله عليهم - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كنتُ مولاه، فعليٌّ مولاه))، ولم يقل أمير المؤمنين يومًا: إنَّ الصحابة قد غَصَبوا حقَّه في خِلافة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بل إنَّه توعَّد مَن طَعَن في الشيخَين أبي بكر وعمر، وجَحَدَ فضلهما وسابقتهما، فقال: "مَن فضَّلني على أبى بكر وعمر جَلدتُه حدَّ الفِرية".


 


وهذا ولدُه الحسن سِبطُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتنازل عن الخِلافة بعدَ أن بايعَه أهلُ العراق؛ ليجمعَ شملَ المسلمين، ويقطعَ دابر الفتنة، وصَدق فيه قولُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ ابني هذا سيِّد، ولعلَّ الله أن يُصلِح به بين فِئتَين عظيمتَينِ من المسلمين))؛ رواه البخاري.


 


فإذا كانتِ الإمامةُ عندَ هؤلاء هي أصلُ الأصول في الدِّين، فكيف تنازَلَ الإمام عنها، وهي أصل الدين، ولماذا لم يطالبْ بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ويُذكِّر الصحابة بوصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - له.


 


ويكفي لردِّ إفك الروافض أنَّهم لم يتَّفقوا على أشخاص الأئمَّة، واختلفوا فيهم اختلافًا عظيمًا؛ ولو كان هناك نصٌّ لَمَا اختلفوا.


 


لقد خرج زيد بن علي بن الحسين في خِلافة هشام بن عبدالملك والروافض يَزعمون أنَّ أخاه محمدًا الباقر هو الإمام المعصوم، فكيف ساغ لزيد بن علي أن يُخالِف أخاه - إن كان إمامًا؟! ولماذا لم يقلِ الباقر لأخيه: أنا الإمام المعصوم، فكيف تخرج وتدعو الناس إلى نفسك؟!


 


وكذلك خرج محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين أيَّام المأمون سنة مائتين هجرية، ودعا إلى نفسه، وبايعه أهلُ الحجاز، ولكن الروافض يزعمون أنَّ أخاه موسى الكاظم هو الإمام المعصوم، فكيف ساغ لمحمد بن جعفر الصادق أن يدعوَ الناس لنفسه - لو كان يعلم أنَّ أخاه هو الإمام؟! فكان الأَوْلى أن يدعوَ لإمام زمانه، لو كان يعتقدُ أنَّه إمام الزمان المعصوم! ثم إنَّ هؤلاء الأفَّاكين - الذين يزعمون أنَّ الزمان لا يجب أن يخلوَ من إمام - يعيشون منذ أكثر من ألف سنه بغير إمام، ويزعمون أنَّ إمامهم المعصوم غائبٌ، ويدعون الله - عزَّ وجلَّ - أن يُعجِّل فرجه.


 


إنَّ أعظم ما يردُّ هذه الفريةَ ما قاله الحسن بن الحسن لرجل ممَّن يغلو فيهم: وَيْحَكم، أَحِبُّونا لله، فإن أطعْنا الله فأحبونا، وإن عصينا الله فأبغضونا.


 


فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأهل بيته، فقال: وَيْحَكم، لو كان الله نافعًا بقرابة من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بغير عمل بطاعته، لنفعَ بذلك مَن هو أقرب إليه منَّا؛ أباه وأمه، والله إنِّي لأرجو أن يُؤتَى المحسن منَّا أجرَه مرتين، ثم قال: لقد أساء آباؤنا وأمهاتنا، إن كان ما تقولون مِن دِين الله، ثم لم يخبرونا به، ولم يُطْلِعونا عليه، ولم يُرغِّبونا فيه، فنحن واللهِ كنَّا أقربَ منهم قرابة منكم، وأوجب عليهم حقًّا، وأحقَّ أن يُرغِّبونا فيه منكم، ولو كان الأمر كما تقولون: أنَّ الله ورسوله اختارا عليًّا لهذا الأمر، وللقِيام على الناس بعده، إن كان عليٌّ لأعظم الناس في ذلك خطيئةً وجرمًا إذ ترك أمرَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يقومَ فيه كما أمره، أو تعزَّر فيه إلى الناس، فقال له الرافضي: ألم يقلْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعلي: ((مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه))؟


 


قال: أمَا والله، لو كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعني بذلك الإمرةَ والسلطانَ، والقيامَ على الناس، لأفصحَ لهم بذلك، كما أفصحَ لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: أيها الناس، إنَّ هذا ولي أمرِكم بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان مِن وراء هذا شيء، فإنَّ أنصح الناس كان للمسلمين رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم"؛ أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (5/319 – 320)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والمزي في "تهذيب الكمال" بسند صحيح، قال المزي: وهذا مِن أصحِّ الأسانيد وأعلاها.


 


وما أجملَ ما قاله زيد بن على بن الحسين: البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان براءةٌ من علي، والبراءة من علي براءة من أبي بكر وعمر وعثمان.


 


ولكن الروافض أقاموا دِينَهم ومعتقدهم على الوقيعة في هؤلاء الأكابر المبشَّرين بالجنة على لسان الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى.


 


أمَّا أهل السُّنة فيحبُّون الجميع ويتولونهم، ويترضَّوْن عنهم، ويتابعونهم بإحسان؛ كما قال الله - عز وجل -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


 


قال سفيان الثوري: "لا يجتمع حبُّ عثمان وعلي إلاَّ في قلوب نبلاء الرجال"؛ "تاريخ بغداد" (5/219).


 


وما أروعَ قولَ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لسيِّدة نساءِ العالمين فاطمة بنتِ رسول الله - عليها وعلى أبيها السلام -: "يا بنتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما كان أحدٌ من الناس أحبَّ إلينا من أبيك، وما أحدٌ بعد أبيك أحب إلينا منك"؛ "تاريخ بغداد" (5/168).


 


فاللهمَّ إنَّا نُشهِدك ونُشهد حملةَ عرشك وملائكتك، وجميعَ خلقك: أنَّك أنت الله لا إله إلاَّ أنت، وأنَّ محمدًا عبدك ورسولك، وأنَّنا نُحبُّ أصحابَ نبيِّك - رضوان الله عليهم أجمعين - ونتقرَّب إليك بمودة آل بيت نبيك - صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين - ولا نرى الوقيعةَ في أحد منهم، ولا نخوض فيما شَجَر بينهم، ونرجو أن يحشرنا الله - عز وجل – معهم؛ فالمرءُ مع من أحبَّ.


 


وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.



تاريخ الاضافة: 13-10-2010
طباعة