اتباع نهج السلف الصالح - 1



الحمد لله، والصلاة والسَّلام على رسول الله، وآله وصحْبِه ومنِ اتَّبع هداه،




أمَّا بعد:


فقد قُلنا في الحلقة السابقة: إنَّ الخير العميم الذي اختصَّ الله به هذه الأمَّةَ، فجعلها خيرَ أمَّة أُخرجتْ للناس، لا يناله إلاَّ مَن حقَّق التوحيدَ مخلصًا لله الدين، وتابَعَ النبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمَّا أهل البدع والضَّلال، فلا نصيب لهم في هذا الخير والفضْل، إلاَّ بقدر قُربهم من الحقّ، ومتابعتهم للسُّنة والهدْي النبوي، بل إنَّهم يُذادون عن حوض النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فلا يَشربون منْه، وتقول الملائكة للنَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّك لا تدْري ما أحدثوا بعدك))؛ متفق عليه.


 


وقُلنا: إنَّ الزمان لا يخلو من متَّبعٍ للحقِّ، ناصرٍ للسُّنة؛ لقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم مَن خالَفَهم ولا مَن خذلهم، حتَّى يأتِيَ أمرُ الله وهم على ذلك))؛ متَّفق عليه.


 


وهؤلاء هم الطَّائفة النَّاجية المنصورة إلى قيام السَّاعة، يتمسَّكون بما كان عليه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه، ومَن تابَعَهم بإحسان من السَّلف الصَّالح.


 


تحقيق معنى السَّلف:


تأتي كلمةُ السلف ويُراد بها معانٍ عديدةٌ، منها:


1- القرْض أو الدَّيْن، ومنه بيع السلف - أو السَّلَم - كما جاء في الحديث الصَّحيح عن ابن عبَّاس، قال: قدِم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ وهم يُسلفون في الثمار للعامين والثلاثة، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أسلف، فلْيُسلفْ في كيلٍ معلوم، أو وزنٍ معلوم، إلى أجلٍ معلوم))؛ البخاري، كتاب السلم.


 


وذكر مالك في "الموطَّأ" أبوابًا في السلف، منها ما يَجوز من السلف، ومنها ما لا يَجوز من السلف، وروى عن ابن عمر أنَّه قال: "السَّلف على ثلاثة وجوه: سلف تُسلفه تريد به وجهَ الله، فلك وجهُ الله، وسلَف تُسلفه تُريد به وجهَ صاحبِك، فلك وجهُ صاحبك، وسلفٌ تُسلفه لتأخذ خبيثًا بطيِّب، فذلك الرِّبا".


 


2- وتأتي كلمة السلف ويراد بها مَن مضى من الأمم قبل أمَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الحديث: ((إنَّما بقاؤكم فيما سلف قبلَكم من الأمم، كما بين صلاة العصْر إلى غروب الشَّمس))؛ رواه البخاري.


 


وفي "المسند" في حديث الثَّلاثة الَّذين أواهم المبيت إلى الغار: ((إنَّ ثلاثةَ نفرٍ فيما سلف من النَّاس انطلقوا يرتادون لأهلهم، فأخذتْهم السَّماء، فدخلوا غارًا، فسقط عليهم حَجَرٌ...)) الحديث.


 


وقال - تعالى - عن فِرْعون وقومِه: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ﴾ [الزخرف: 55- 56].


 


قال الفرَّاء: جعلناهم سلفًا: متقدِّمين؛ ليتَّعظ بهم الآخرون. "لسان العرب".


 


وقال مجاهد: قوم فِرعون كفَّارُهم صاروا سلفًا لكفَّار أمَّة محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذَكره البخاري معلَّقًا في التَّفسير.


 


3- وتأتي بِمعنى ما مضى من العمَل؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾[البقرة: 275]، ﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [النساء: 32].


 


وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسلمتَ على ما سلَف من خير)).


 


4- وتأتي بِمعنى من تقدَّم من أهل الفضْل من أصحاب النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ومَن تابَعَهم بإحسان، وهُم السَّابقون الأوَّلون من المهاجرين والأنصار، وتابِعوهم من أهل السنَّة والجماعة؛ قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 8 - 10].


 


جاء في "لسان العرب": سلف الإنسان: مَن تقدَّمه بالموت من آبائِه وذوي قرابته؛ ولهذا سُمِّي الصَّدر الأوَّل من التَّابعين السَّلفَ الصَّالح.


 


وذكر القرطبي عن عليّ بن الحسين أنَّ نفرًا من أهل العراق جاؤوا إليه، فسبُّوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثمَّ عثمان فأكثروا، فقال لهم عليُّ بن الحُسين: أمِن المهاجرين الأوَّلين أنتم؟ قالوا: لا، قال: أفمِن الَّذين تبوَّؤوا الدار والإيمان من قبلهم؟ قالوا: لا، فقال: قد تبرَّأتم من هذيْن الفريقَين، وأنا أشهد أنَّكم لستُم من الَّذين قال الله - عزَّ وجلَّ - فيهم: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، قوموا فَعَلَ اللهُ بكم وفعل، يدعو عليهم.


 


لماذا يَجب على كل مسلم اتّباع منهج السَّلف؟


أقول: يجب على كل مسلمٍ عاقلٍ اتباعُ منهج السَّلف في العقيدة والسلوك والأخلاق؛ لأنَّ الأمَّة الإسلاميَّة مرَّتْ بمرحلتَين:


المرحلة الأولى: هي مرحلة الاجتماع على الإيمان بما جاء به محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومتابعته في هدْيه وسُنَّته، قبل أن تظهر المقالاتُ المنحرِفة، والفرق الضالَّة.


 


والمرحلة الثَّانية: مرحلة الاختلاف في الدين، والتنازُع واتباع الأهواء المضِلَّة، وظهور مقالات الخوارج والرَّوافض، والمرجئة والقدرية، وغيرها من المقالات الفاسدة التي لم يقُل بها أحد من السَّلف الصَّالح؛ بل أنكروها وردُّوها.


 


وكانت الأمَّة في المرحلة الأولى في عزٍّ ونصر وتَمكين، فحازتْ شرفَ الخيريَّة؛ كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ أمَّتي قرني، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونَهم))؛ متَّفق عليه.


 


وكانت فتوح الإسلام في هذه المرْحلة، ففتح الله على هذه الأمَّة البلادَ وكذلك قلوب العِباد، فدخل النَّاس في دين الله أفواجًا، وفي هذا يقول النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يأْتي على النَّاس زمان فيغزو فئامٌ من النَّاس، فيقال: هل فيكم أحدٌ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فيقولون: نعم، قال: فيُفتح لهم، ثم يأْتي على النَّاس زمان فيغزو فئام من النَّاس فيقال: هل فيكم أحدٌ ممَّن صحِب أصحاب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فيقولون: نعم، قال: فيُفتح لهم، ثمَّ يأتي على النَّاس زمان فيغزو فئام من النَّاس فيقال: هل فيكم ممَّن صحِب أصحابَ أصحابِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فيقولون: نعم، قال: فيُفتح لهم))؛ متَّفق عليه.


 


وإلى هنا ينتهي الحديث، تنتهي قرون الخير، ينتهي زمن الفتوح، وتعمُّ الفتن المضلَّة، عافانا الله منها بفضله ومَنِّه وكرمه.


 


قال الحافظ: "واتَّفقوا أنَّ آخِر مَن كان من أتْباع التَّابعين ممَّن يُقبل قولُه مَن عاش إلى حدود العشْرين ومائتين، وفي هذا الوقْت ظهرت البِدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسِنَتَها ورفعت الفلاسفة رؤوسَها، وامتُحن أهل العلم ليقولوا بخلْق القرآن، وتغيَّرت الأحوال تغيُّرًا شديدًا، ولم يزَل الأمر في نقصٍ إلى الآن".اهـ. "فتح الباري" (ص7، ص8).


 


فالمسلم الكيِّس الفطن هو الَّذي يتَّبع ولا يبتدع في دين الله، هو الَّذي يتبع أقوال السَّلف الصَّالح ومنهجهم قبل أن يظهر الخلاف؛ لقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّه مَن يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليْكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين بعدي، تَمسَّكوا بها وعضُّوا عليْها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحْدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ مُحدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة))؛ الترمذي وأحمد بسند صحيح.


 


وعن حُذيفة بن اليمان قال: كان النَّاس يسألون رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخير، وكنتُ أسألُه عن الشَّرِّ مَخافةَ أن يُدْرِكني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهليَّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخيْر، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم)) قلتُ: وهل بعد ذلك الشَّرّ من خير؟ قال: ((نعَم، وفيه دخن))، قلتُ: وما دخنه؟ قال: ((قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر))، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: ((نعم، دعاةٌ إلى أبْواب جهنَّم، مَن أجابَهم إليْها قذفوه فيها)) قُلت: يا رسول الله، صفهم لنا، فقال: ((هُم من جلْدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا)) قُلت: فما تأمُرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جَماعة المسلمين وإمامَهم)) قُلتُ: فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزِل تلك الفِرَق كلَّها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتَّى يدركك الموت وأنت على ذلك))؛ البخاري.


 


وفي رواية مسلم: ((قوم يستنُّون بغير سنَّتي ويهدون بغير هدْيي، تعرفُ منهم وتنكر)).


 


وفي رواية ثانية لمسلم: ((يكون بعدي أئمَّة لا يهتدون بهداي ولا يستنُّون بسنَّتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قُلُوبُهمُ قُلُوبُ الشَّياطين في جثمان إنس)) قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: ((تسمعُ وتُطيعُ للأمير وإن ضرب ظهرَك وأخذ مالَك، فاسْمع وأطِعْ)).


 


ورواية أبي داود عن سبيع بن خالد قال: أَتيت الكوفة في زمن فتحت تُستر أجْلب منها بغالاً، فدخلت المسجد، فإذا صَدْعٌ من الرِّجال، وإذا رجُل جالس تعرف إذا رأيتَه أنَّه من رجال أهل الحجاز، قال: قلتُ: مَن هذا؟ فتجهَّمني القوم وقالوا: أما تعرف هذا؟! هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال حُذيفة: إنَّ النَّاس كانوا يسألون رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الخير: وكنت أسألُه عن الشَّرّ، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني أرى الذي تُنكرون، إنّي قُلتُ: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الذي أعطانا الله؟ أيكون بعده شرّ كما كان قبله؟ قال: ((نعم)) قلتُ: فما العصمة من ذلك؟ قال: ((السَّيف)) قلتُ: يا رسول الله، ثمَّ ماذا يكون؟ قال: ((إن كان لله خليفةٌ في الأرض فضرَب ظهرَك وأخذ مالَك، فأطِعْه وإلاَّ فمُت عاضًّا بجذع شجرة))، قلت: ثمَّ ماذا؟ قال: ((ثمَّ يَخرج الدجَّال، معه نهر ونار، فمَن وقع في نارِه وجب أجره وحُطَّ وزره، ومَن وقع في نهْره وجب وزره وحطَّ أجره)) قلت: ثم ماذا؟ قال: ((ثمَّ قيام السَّاعة)).


 


وعند ابن ماجه: ((يكون دعاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها))، قلتُ: يا رسول الله، صفْهُم لنا، قال: ((هم من جلدتنا يتكلَّمون بألسنتنا)) قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ((فالزَمْ جماعة المسلمين وإمامَهم، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصْل شجرة حتَّى يدرِكَك الموت وأنت كذلك)).


 


وقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اعتزِل تلك الفِرَق كلَّها)) معناه: أن يلتزِم الإنسان السنَّة ولو كان وحْده، ويعتزل كلَّ المقالات والآراء الفاسدة ومَن يروِّجون لها، ولو فعل ذلك فهو الجماعة هو ومَن وافقه على ذلك؛ لقول النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرُّهم مَن خالفهم حتَّى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك)).


 


فالحديث يوضِّح للمسلم المنهجَ الَّذي يعتصم به حالَ الاختِلاف، وقوله: كنَّا في جاهليَّة وشرّ، يشير إلى ما كان قبل الإسلام من الكُفْر، وقتْل بعضِهم بعضًا ونَهْب بعضِهم بعضًا وإتيان الفواحش، والمراد بالشَّرّ المذْكور أوَّلاً ما يقع من الفِتَن بعد مقتل عثمان، أو ما يترتَّب على ذلك من عقوبات الآخِرة.


 


وقوله عن الخير: ((وفيه دخن)): إشارة إلى أنَّه لا يكون خيرًا محضًا خالصًا؛ بل فيه كدر، وفي رواية: ((لا ترْجِع قلوب قومٍ على ما كانتْ عليه))، فكأنَّ المعنى: أنَّ قلوبَهم لا يصفو بعضُها لبعض.


 


وقد فسّر هذا الدَّخن بوجود البدَع وظهورها قوله: ((قوم يهْدون بغير هديِي، تعرف منهم وتنكر))، وقوله في الشَّرّ الآخر: ((دعاة يدْعون على أبواب جهنَّم))، باعتبار ما يؤول إليه حالُهم وحال مَن تابعهم في دعوتِهم الفاسدة التي تهدم دين الإسلام.


 


وقوله: ((هم من جلْدتنا ويتكلَّمون بألسنتنا)) إشارة إلى أنَّهم من العرب، أو ممَّن يُظهرون الإسلام، ووصفهم بأنَّ قلوبَهم قلوب الشَّياطين في جثمان إنس.


 


قال عياض: المراد بالشَّرّ الأوَّل الفِتَن الَّتي وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الَّذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبدالعزيز، وقال غيره: بل هو الاجتِماع على معاوية وترْك القتال في الفتنة.


 


وفي الحديث الأمرُ باعتزال الفِتن، وهجران البدَع وأهلها مع الإنكار لها، وردّ الباطل الَّذي يدعون إليه.


 


وفيه أنَّ الجماعة قد تكون رجُلاً واحدًا يعتصم بالسنَّة ويردّ البدعة، كما كان من أمر أحمد بن حنبل في فتنة خلْق القرآن".


 


والحمد لله ربِّ العالمين.



تاريخ الاضافة: 13-10-2010
طباعة