ماذا نريد من الرئيس؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وبعد:

فقد شهدت مصر في المرحلة الحالية جدلاً سياسيًا واسعًا بعد تعديل المادة 76 من دستور 1971م والتحول من ظاهرة الاستفتاء الشعبي كطريق لانتخاب رئيس الجمهورية إلى انتخاب الرئيس بالاقتراع الحر المباشر من بين أكثر من مرشح للرئاسة وما استتبع ذلك من حالة رواج سياسي بعد حالة من الجمود، وقد تجلى هذا في تقدم المرشحين ببرامج انتخابية تعبر عن رؤية كل منهم للمرحلة المستقبلية؛ وتبع ذلك حالات من الجدل الفكري بين عموم الناس وكثرت الأسئلة حول رؤية أنصار السنة للحالة الراهنة.

ومن ثم كان هذا الحوار:

قال لي محاورًا: ما هذه السلبية التي تتمتعون بها؟ لماذا لا يكون لكم دور إيجابي ومشاركة فعالة في الحياة السياسية؟

قلت له: أي عمل سياسي تقصد؟

قال: انتخاب الرئيس واختيار النواب في البرلمان.

قلت له: نحن نهتم بأمر أكثر أهمية.

قال متعجبًا: أكثر أهمية!!

قلت: بلى، دعوة الناس إلى الله وتوحيده واتباع منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم ونبذ البدع والخرافات والضلالات التي يعج بها المجتمع المسلم وتعوق تقدمه وازدهاره.

قال: وهل هذا يمنع من مشاركة إيجابية في العمل السياسي؟

قلت له: أما باسم جماعتنا فنحن لا نشارك في هذه السياسة إلا بالمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة ولاة الأمر في المعروف ما لم يأمروا بمعصية، فلا طاعة في المعصية، وهذا موقف قديم ومعلن منذ أن تأسست هذه الجماعة عام 1926م فنحن جماعة دعوة ولسنا حزبًا سياسيًا نسعى للوصول إلى السلطة وإنما نحن نسعى إلى التغيير في القاعدة العريضة من الشعب بدعوة الناس إلى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة - أعني سلف هذه الأمة - فلن تصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، أما على المستوى الفردي فنحن لا نقاطع الانتخابات فأنا بنفسي أشارك في عملية الانتخاب ولكننا ندعو الناس إلى فهم سليم واختيار دقيق يراعى فيه اختيار الأصلح، ومدار الصلاحية على العلم والقوة والأمانة؛ قال تعالى قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين{القصص:26}.

وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم{يوسف:55}.

فالمسلمون جميعًا مسئولون عن تولية أصلح الناس وأقواهم على تحمل هذه الأمانة دون تهاون أو تقصير، ومدار الصلاحية كما قلنا على القوة والأمانة.

القوة والقدرة على تحمل أعباء هذا المنصب، والأمانة التي تجعله يؤدي لكل ذي حق حقه.

وما أعظم وما أخطر شأن هذه الأمانة وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". {مسلم ك الإمارة ح 1825}

وضياع هذه الأمانة في الأمة من أشراط الساعة وأسباب قربها وفي هذا يقول نبينا صلى الله عليه وسلم : "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قيل: يا رسول الله وما إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". {البخاري ك العلم ح59}

فهل يُظن بمن يؤمن بهذا أن يكون سلبيًا؟؟ ولكن أحيانًا يكون المعروض المتاح من البرامج والأفكار لا يتناسب مع طموحنا كمحكومين وهنا نسعى إلى الدعوة إلى الحق وبيانه المؤيد بالدليل، وهذا ما نطمح إليه.

قال: وما هي طموحاتكم؟

قلت: أولا أن نُحكم كأغلبية مسلمة بقوانين لا تتعارض مع شريعتنا، هل يعقل أن تكون البرامج الانتخابية المعروضة من جميع المرشحين لا تتناول مسألة تعديل القوانين التي تخالف صراحةً أحكام الشريعة الإسلامية؟ فإمكانية التغيير متاحة؛ إذ يعلن أكثر من مرشح في برنامجه إلغاء قانون الطوارئ أو تعديله بينما لا نجد أحدًا يشير من قريب أو بعيد لتعديل مواد القانون الجنائي التي تخالف صراحةً شريعة الإسلام مثل القوانين المتعلقة بجريمة الزنا مع أن تقاليد الشعب المصري ترفض مثل هذه القوانين البالية ولا تتعامل بها.

إننا نعيش مخالفة دستورية منذ تم تعديل دستور 1971م في عهد الرئيس السابق أنور السادات واشتمل التعديل فقرتين، الأولى: تجديد انتخاب الرئيس لمدد تالية بدلا من كلمة (مدة تالية)، والثانية: الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع بدلا من كلمة (مصدر رئيسي) وهذا يعني أن تكون كل القوانين موافقة لأحكام الشريعة، وإلا كانت غير دستورية وأن تكون الشريعة الإسلامية هي أم القوانين وألا يصدر تشريع أو لائحة تخالف الشريعة الإسلامية.

وها هو التعديل الأول يُطبق إلى الآن، أما عن التعديل الثاني فالقوانين ما زالت حبيسة الأدراج في المجلس الموقر، وعلى المجالس التشريعية والحكومة تقع تبعة هذه المخالفة.

قال محاوري: وماذا عن المشاكل التي يعاني منها الشعب من بطالة وتدنٍ في مستوى المعيشة وكذلك الإصلاحات التي تمت طيلة السنوات الماضية ألا تمثل لكم قيمة تختارون على أساسها من يمثلكم في الحكومة والبرلمان؟؟

قلت: نحن لا ننكر هذه الأشياء ولا نعيش بمعزل عنها ولكننا نرى أن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لا يمنع من الإصلاح ولا يعني العودة بالمجتمع إلى قرون ماضية مظلمة كما يروج لذلك دعاة العلمنة، بل إن المضي في هذا الطريق الذي ندعو إليه هو السبيل الأعظم للقضاء على البطالة ولرفع مستوى المعيشة وزيادة الإصلاحات، وكذلك يؤدي إلى القضاء على ظاهرة الإرهاب وعلى كل فكر ينبت في الظلام ويدعو إلى التكفير، فإن هؤلاء يرتكزون في منهجهم التكفيري على قضية غياب الشريعة الإسلامية.

إن أخوف ما نخافه أن تفرز المرحلة التي نعيشها الآن مزيدًا من العلمنة وأن تدير مصر في المرحلة المقبلة ظهرها لتراثنا وشريعتنا بدعوى التحرر وتحقيق النموذج الأمريكي والغربي باعتباره المثل الأعلى والنموذج الذي ينبغي أن يُحتذى، وهذا ما يروج له بعض المرشحين ويدندن حوله كثير ممن يزعمون الإصلاح ويسمون أنفسهم إصلاحيين.

قال محاوري: ولكننا لا نعيش وحدنا في هذا الوطن، بل معنا إخوة في الوطن من غير المسلمين، فكيف نطبق عليهم أحكام الشريعة الإسلامية؟

قلت: نحن لا ننكر وجود غير المسلمين، وشريعتنا لا تصادر حقوق غير المسلمين، والقوانين النابعة من الشريعة الإسلامية لا تمس حقوقهم من قريب أو بعيد وهذا أمر بديهي معلوم.

إننا نطبق قانون الميراث المستوحى من الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي في مصر ولم يقل أحد إن تطبيق مثل هذا القانون يمس حقوق غير المسلمين.

قال: فما الذي ترجوه من الرئيس القادم؟

قلت: الذي نريده من الرئيس القادم أن يجعل هذه النصيحة نصب عينيه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". {رواه مسلم}؛ وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويسخط لكم ثلاثًا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تُناصحوا من ولى الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال". {رواه أحمد ومسلم}

وأن يجعل التعديلات للقوانين المخالفة للشريعة في حيز الاهتمام والتنفيذ، وأن يضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين، والله يعلم إني لناصحٌ "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

تاريخ الاضافة: 13-10-2010
طباعة