كان انهيار الاتحاد السوفيتي وتفتته إلى دويلات كثيرة بمثابة قنبلة زمنية موقوتة هزت أرجاء العالم ، وتحول النظام العالمي من التوازن في القوى بين القطبين الكبيرين وحلفيهما إلى نظام جديد انهار فيه القطب الروسي، وتضخم فيه دور القطب الأمريكي ؛ خاصة بعد الحرب التليفزيونية الشهيرة التي شنتها أمريكا وحلفاؤها ضد ديكتاتور العراق (صدام) . العالم الإسلامي ودوره في هذا النظام الجديد : لقد أكدت الأحداث أن العالم الإسلامي ليس له أي دور في الملعب السياسي الذي برز فيه النجم الأمريكي السوبر ومعه مجموعة من الكبار يسيرون خلفه في منظومة متوافقة إلى حد بعيد ، ولهذا فهم يحرزون الأهداف تباعا دونما مزاحمة من أحد ، بينما المسلمون ينقسمون على أنفسهم بصورة تدعو للأسى وربما للاشمئزاز ، إنهم لا يعرفون هويتهم ، بل هم يختلفون حولها اختلافًا كبيرًا . ولهذا تتجلى الصراعات في البلاد الإسلامية بصورة مختلفة ، فهي صورة عنيفة في أفغانستان ، حيث يتقاتل المجاهدون لإحباط ما قد يكونوا قد حازوه من أجر في جهادهم ضد الشيوعيين ، وهي صورة حالكة السواد في الصومال ورواندا ، حيث يتقاتل الأشقاء في عصبية جاهلية مقيتة ، ويدوسون بأقدامهم على أجساد الجوعى من الشيوخ والنساء والأطفال من الآباء والأبناء . أما الدول الإسلامية التي سَلِمت من هذا القتال، فالتراشق الفكري فيها على أشده بين من يرفع شعار العودة لتطبيق الأحكام الشرعية، وبين من يرون في هذه العودة ردة حضارية، وخيانة للعلم والحضارة والمدنية ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين. وبين هؤلاء وهؤلاء شراذم تُحسب على المسلمين تظن أن تغيير هذا الواقع يكون بزرع قنبلة في أتوبيس سياحي، أو أمام موكب لأحد الوزراء ! وسواء كان هؤلاء مأجورين أم مضللين فإنهم يبرزون باعتبارهم ممثلو الأصولية الإسلامية ، وتتركز عليهم الصورة حتى لا يظهر فيها غيرهم ، ويحلو لأعداء الإسلام أن يحللوا القضايا الحيوية من خلال تركيزهم على هذا الإطار الممسوخ للدعوة الإسلامية . لابد لنا من تحديد الهوية والاتفاق حولها لكي يكون لنا دور في أي نظام عالمي جديد ، أما حالة المسخ والضعف التي نعيشها فيما بيننا سواء على مستوى الأفراد والأفكار ، أم على مستوى الجماعات والدول ، فلن تجعل لنا إلا دورًا واحدًا هو دور المأكول بين جماعة الآكلين ، فإذا أراد المأكول أن يغير موقعه على المائدة فإنه يأكل نفسه بنفسه حين يتأجج الصراع بين الرفقاء الضعفاء فيأكل بعضهم بعضًا . وصدقت فينا نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها). قالوا : ومن قلةٍ يومئذ ؟ قال : (لا ؛ بل أنتم كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، ولتعرفن في قلوبكم الوهن ) . قالوا: يا رسول الله، وما الوهن ؟ قال : (حب الدنيا وكراهية الموت ) . [ رواه أحمد وأبو داود] . كيف نجحت الدعوة الإسلامية الأولى في تغيير النظام العالمي ؟ لقد بدأت الدعوة الإسلامية في مكة جنينًا يتحرك في رحم الدنيا ، في عالم لا يعرف الله ، يعبد الطواغيت ، تسيطر عليه القوة الغاشمة ، ولقد كان الصراع على أشده بين القطبين الكبيرين الذَيْن يسيطران على العالم في هذا الوقت ، وهما دولة الفرس في الشرق ، ودولة الروم في الغرب ، وتقع المعركة الشرسة بين الفرس والروم وتنتهي بهزيمة ساحقة للروم - وهم أهل كتاب - من الفرس عبدة النار ، ومع أن المعركة كانت بعيدة عن الوليد الجديد إلا أن رب العالمين يعلمه ويربيه على المشاركة الجادة والفعالة في تغيير دفة هذا الصراع دون متابعة لأحد ، فنيزل القرآن الكريم بسورة يعرف منها الوليد حقيقة الصراع ودوره في هذا الصراع وهي سورة (الروم) (الم(1) غُلِبَتِ الرُّومُ(2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الروم : 1 - 6] . وبالفعل تحقق وعد الله فانتصر الروم على فارس بعد ذلك ، وزامن هذا الانتصار للنصارى أهل الكتاب على الفرس عبدة النيران يوم الفرقان ، يوم انتصرت القِلة المؤمنة على الكثرة الكافرة الغاشمة في يوم بدر ، ولهذا قال تعالى : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) [الروم : 4 ، 5]. لقد جاءت الدعوة الإسلامية الوليدة لتغير بإذن ربها من شكل النظام العالمي الكافر والجائر : ( إن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب) . كانوا على التوحيد الخالص لله ، ولكنهم كانوا قلة قليلة مختفية كالقسس الذين تعلم منهم سلمان الفارسي قبل أن يُسلم ؛ لهذا بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم - بالإيمان والإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، وأمره أن يدعو الناس ، وأن يقاتل بمن أطاعه من عصاه ، ووعده بالنصر والتمكين في الدنيا والآخرة . لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يثق بهذا الوعد ، ويسعى إليه ، ويطمئن به أصحابه ، ويثبت به المستضعفين منهم ، فكان يمر على آل ياسر ويقول : (صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ) . وجاءه خباب بن الأرت يشكو ويقول : ألا تستنصر لنا ، فقال -صلى الله عليه وسلم - : ( والله ليُتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من بصرى إلى صنعاء لا يخشى إلا الله ، ولكنكم تستعجلون ) . ولما حاصر الأحزاب مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -من كل جانب ، وضاق الأمر على أصحابه لم ينس النبي -صلى الله عليه وسلم - أن يبشرهم بفتح بلاد كسرى وقيصر ، ووعد سراقة بن مالك قبل ذلك أنه سيكون في الجيش الذي يفتح فارس ، وأنه سيلبس سِوَاري كسرى . إنها لم تكن مجرد أحلام أو أوهام ، إنها وعود صادقة من صادق مصدوق ، يبلغ عن رب العالمين وقيوم السماوات والأرضين ، مالك الملك ذي الجلال والإكرام ، وهو سبحانه يؤكد هذا الوعد في كتابه الكريم : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 55] . إن هذا الوعد الصادق لا يتحقق إلا بأيدي المؤمنين الصادقين ، ولهذا كان الابتلاء ووجب الصبر واليقين ليميز الله بين أهل الصدق وبين الكاذبين والمنافقين ، قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين ) [ العنكبوت : 2 ، 3] إذن فمفردات التمكين هي الإيمان والعمل الصالح ، والدعوة إلى الله والصبر على ذلك حتى يأتي نصر الله مهما كان الأذى ، فإن الله ، تبارك وتعالى ، أقام الدنيا على سُنة الابتلاء والمدافعة بين قوى الخير والشر ، وجعل مفردات التمكين هي سبيل النجاح والفلاح ، وأقسم على ذلك فقال : ( وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ) [العصر] . الرسول -صلى الله عليه وسلم - يبدأ عملية التمكين : بعد كفاح مرير ، وصبر طويل ، ارتفعت راية الإسلام عالية خفاقة ، فبعد أن صالح النبي-صلى الله عليه وسلم - مشركي مكة صلح الحديبية ، الذي جعله الله فتحًا مبينًا ، وفتح النبي -صلى الله عليه وسلم - خيبر ، وجرت فيها سهام الله ، أراد النبي -صلى الله عليه وسلم - أن يخرج بدعوة الإسلام إلى العالم بأسره ، فبعث الرسل إلى فارس والروم ومصر والحبشة وغيرها يدعو أهلها إلى الإسلام والسلام ، ويقول لقادتها : (أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين) . ولأن التمكين لا يأتي بمجرد دعوة في رسالة ، فقد رفض الجميع هذا العرض الطيب ، فكان لابد لجماعة المسلمين من رفع راية الجهاد في سبيل الله ، فأرسل النبي-صلى الله عليه وسلم - سرية لقتال الروم في (مؤتة)، وخرج بنفسه -صلى الله عليه وسلم - لقتالهم في (تبوك) ، وجهز جيشًا ثالثًا لقتالهم بقيادة أسامة بن زيد، وتوفى رسول الله-صلى الله عليه وسلم - ، فقام أبو بكر في الناس يحثهم على القيام على أمر هذه الدعوة : (ألا إن محمدًا قد مات ، ولابد لهذا الدين من قائم يقوم به ، من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) . فقام الصحابة على هذا الدين يجاهدون في سبيل الله ، ويرفعون راية لا إله إلا الله ، ويُخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد الواحد القهار ، وتهاوت مدائن كسرى وحصون قيصر أمام صيحة الله أكبر، ودخل الناس في دين الله أفواجًا ، وتغير شكل النظام العالمي القائم ، فصار نظامًا جديدًا يقوم على التوحيد والعدل والمساواة بين بني البشر دون ظلم أو إكراه على الدخول في الدين الجديد : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [ البقرة : 256] . وبعد انقضاء القرون الثلاثة الفاضلة التي فتح الله لها وأعز الإسلام وأهله على يديها ، بدأ الانحدار ، فصارت الخلافة ملكًا عضوضًا ، وكثرت الانحرافات وتمكنت الفُرقة من المسلمين ، وامتحن أهل السنة والحق ، وصارت القوة ضعفًا ووهنًا ، وأغار أعداء الإسلام على بلاد الإسلام من الشرق ومن الغرب ، فتتابعت الحملات الصليبية ، وتلتها الهجمة التترية ، وتهاوت الحضارة الإسلامية في الأندلس ، واقتسمت الدول الأوربية تركة الرجل العثماني المريض ، وسقطت دويلات المسلمين في أيدي المستعمرين ، وبدأت حملات التغريب ، ومسخت الهوية الإسلامية في بلاد المسلمين ، ثم كانت النعرات القومية ، وتلاها الاستقلال والتقسيم ، والخلاف حول الحدود المصطنعة يتفجر من حين لآخر ، وعاد الإسلام غريبًا في أرضه كما كان قد بدأ غريبًا . وصارت الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، والدعوة إلى وحدة المسلمين أو حتى تعاونهم وتكاملهم أمرًا غريبًا في بلاد المسلمين ، بينما تسعى أوربا رغم تعدد القوميات إلى الوحدة الشاملة بعد أن قطعت شوطًا كبيرًا في التكامل الاقتصادي من خلال سوقها المشتركة ، هذا مع أن الحق ، سبحانه وتعالى ، يدعونا إلى الوحدة من خلال الاعتصام بهذا الدين : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) [ آل عمران : 103] لا يمكن للمسلمين أن يواجهوا التحدي الجديد، ويحجزوا لهم مقعدًا بين الكبار إلا بتوحيد الجهود المبعثرة وتحقيق التكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي، ثم الوحدة السياسية أو التنسيق السياسي على أقل تقدير. أين السوق الإسلامية المشتركة ؟ أين التقارب والتعاون بين المسلمين ؟ إن هناك من يسعى بالوقيعة ، وينفخ في الرماد لكي يؤجج الصراع بين الدول الإسلامية ، إن الدعوة الإسلامية التي غيرت النظام العالمي قديمًا قادرة على تغيير شكل النظام العالمي الجديد إذا تضافرت القوى وتوحدت الجهود ، واتضحت الرؤية للقائمين على أمور المسلمين . إن الدور الإسلامي في النظام الجديد لا يمكن أن يكون دور مصر وحدها ، ولا يكفي في التنسيق بين مصر وسوريا والسعودية ، ولكنه دور لابد أن يُدعى إليه الجميع ، ويشارك فيه الجميع ، وليكن هذا التنسيق هو البداية ، وليكن مؤتمر القمة العربي المنصرم هو حلقة من حلقات التكامل والتوحد . إنني أتوجه إلى الحكومة المصرية بشكل خاص ، وإلى الحكومات العربية والإسلامية بشكل عام بضرورة إحياء الفكر الشرعي - الذي يعتمد على الشرعية - في القوانين المقترحة ؛ لأنه الأساس المتين للوحدة بين المسلمين . وأرجو من الحكومة المصرية أن تسارع بالتنسيق مع مجلس التعاون الخليجي ، ومجموعة المغرب العربي إلى دعوة القادة العرب والمسلمين إلى مؤتمر قمة إسلامي يحضره الملوك والرؤساء ورجال الفكر والعلماء ، تطرح فيه قضايا الهوية الإسلامية ، والتعاون ، والتكامل ، والوحدة ، ولا يُكتفي في ذلك بمنظمة المؤتمر الإسلامي ، فإنها لا تغني ولا تسمن من جوع . لا يمكن أن يكون دورنا في النظام العالمي الجديد هو دور الحليف الضعيف ، أو التابع للآخرين ، بينما نحن نملك القدرة على تعديل هذا الدور وتغييره ، ولن نغير هذا الدور إلا بالالتفاف حول بعضنا البعض في منظومة متناسقة ، ولن يكون هذا إلا بتحديد هويتنا ومعرفة دورنا ، والاعتصام بكتاب ربنا عز وجل . ماذا نصنع مع المسيح الدجال ؟ إن النظام العالمي لا يستقر على حال، إنه دائم التطور والتغيير، ولابد أن نتعامل مع أي نظام قائم من منطلق تمليه علينا عقيدتنا وشريعتنا المرنة وهويتنا الإسلامية. إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق ينبئنا عن نظام عالمي قادم سيظل العالم بأسره ، هو نظام المسيح الدجال الذي ينتظره أكثر سكان العالم اليوم بشغف بالغ ، وتدل توجهاتهم على أنهم سيكونون من أتباعه وأنصاره ، والمسيح الدجال رجل من بني آدم ، جعله الله تعالى محنة للناس في آخر الزمان:(يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِين ) [البقرة : 26] . وقد صرحت الأحاديث الصحاح بخروجه في آخر الزمان من جهة المشرق ، فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة ، ثم يدعي النبوة ، ثم يدعي الربوبية ، فيتبعه على ذلك كثير من الناس ، ويلتف حوله اليهود، فيأخذ البلاد بلدًا بلدًا ، ولا يبقي بلد من البلاد إلا وطئه وفتن أهله ، غير مكة والمدينة ، فإنه يعجز عن دخولهما ، ويستخدم في غواية الناس خوارق عديدة ، ففي (الصحيحين) عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : ( ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها ، فينزل بالسبخة - خارج المدينة - فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق ) . وفي (الصحيح): ( إنه يجيء معه مثل الجنة والنار). (ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا أنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور. ومكتوب بين عينيه كافر ). أين يكون موقعنا من هذا النظام العالمي الجديد، نظام المسيح الدجال ؟ هل تسارع الدول المسلمة إلى تأييده ومبايعته ومباركة نظامه العالمي الجديد ، والانخراط في سلكه ، وتنسى أنها دول مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ، أم نتمسك بديننا ، ونعارض كل الدجاجلة والكذابين ، ونقول لهم بملء أفواهنا : ما ازددنا فيكم إلا يقينًا ، ولن يزيدنا البلاء إلا صبرًا وتمسكًا بديننا وشريعتنا واعتصامًا بوحدتنا . إن واقع المسلمين الآن ينبئ عن مواقعهم غدًا في النظام العالمي الجديد ، فمن أراد النجاة غدًا من شر الدجال فليعتصم اليوم بشريعة الإسلام . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد . |